المولد النبوي.. روحانيةٌ وسلاح


سند الصيادي/كاتب يمني

لم تعد مناسبةُ المولد النبوي الشريف في اليمن مُجَـرّد ذكرى تُحكى أَو طقسٍ دينيٍ يُقام، بل تحوّلت في خضمِّ سياقنا التاريخي والسياسي الراهن إلى منبرٍ عالمي، واستراتيجيةِ اتصال متعددةِ الأبعاد، ووسيلةٍ فعّالةٍ لصياغة رسالةٍ تخاطب الضمير الإنساني وتكشف حقائق الصراع الذي نعيشه.

وبقدر ما تحوّلت إلى مِنصةٍ لإبراز قيم التضامن والتكافل المجتمعي في أحلك الظروف، حَيثُ تتحول الفرحة النبوية إلى محطةٍ للإيثار والعطاء، لتقديم صورةٍ مشرقةٍ عن مجتمعٍ متماسكٍ متراحم، يقف شامخًا في وجه آلة الموت والدمار، فقد نجح اليمنيون – بروحٍ ثوريةٍ وإيمانٍ لا يتزعزع – في تحويل هذه المناسبة من حدثٍ داخليٍ ذي بُعدٍ روحي إلى سلاحٍ معنوي وسياسي فاعل، يجسّد حالة “الجهاد الثقافي” و”المقاومة الحضارية” بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

في البُعد العقائدي، يصبح الاحتفال بالمولد تعبيرًا صارخًا عن رفض النموذج الديني الوهَّـابي المتطرّف الذي تحاول أمريكا والصهيونية وأدواتهما تصديره إلى المنطقة، والذي يُحرّم مثل هذه المظاهر الروحانية. إنه مقاومةٌ ثقافيةٌ صامدة في وجه التطرف والتكفير.

تُقدِّم اليمن الإسلام الخالص، البعيد عن تلبيسات وتوصيفات “الإرهاب” التي تخادم عليها أدعياء التدين وأصحاب الأجندات المشبوهة؛ فبينما يحاول الغرب ومشايخ التطبيع وصنائعهم تشويه صورة الإسلام وربطه بالعنف والهمجية، يأتي احتفالنا بالمولد النبوي رفضًا قاطعًا لهذه الحرب الإعلامية الشرسة. إنه تأكيدٌ للعالم أجمع أن الإسلام الحقيقي هو دينُ رحمةٍ وعدلٍ وإيمان، دينٌ يهذّب الأخلاق ويبني الحضارات، لا دينُ تفجيرٍ وتدمير.

كما أن المولد النبوي –في ظلّ العدوان الإسرائيلي الغاشم على الأرض والمقدسات– لم يعد مُجَـرّد احتفال، بل أصبح تأكيدًا على شرعيّة قضيتنا ومشروعية دفاعنا عن أنفسنا وأمتنا ومقدساتنا. نحن لا ندافع عن أرضٍ فحسب، بل عن هويةٍ إسلاميةٍ أصيلةٍ تواجه مشروعًا خارجيًّا يستهدف طمسها وفرض التبعية والانهيار.

ومن الرسائل المبهرة التي يوجّهها اليمن للعالم من خلال المولد، رسالةُ الصمود غير المفهومة لدى كثيرين: شعبٌ تحت الحصار، يعاني من أسوأ أزمة إنسانية، يحتفل بأبهى صورة! نعم، إنها مفارقةٌ تذهل العقول، وتُرسل رسالةً واضحةً مفادها أن القنابل والحصار لم يستطيعا كسر إرادتنا أَو انتزاع فرحتنا أَو تقويض إيماننا.

الاحتفال تحت الدمار هو أعلى درجات التحدي والكبرياء، وهو “نصرٌ معنوي” يهزم مئات المليارات من الدولارات التي أُنهكت في حربنا.

ولا ننسى البُعد الجهادي والتحريضي الذي تكتسبه هذه المناسبة، حَيثُ تُستحضر دروس السيرة النبوية العطرة وغزوات النبي صلى الله عليه وآله وسلم كخارطة طريق للنصر على قوةٍ متفوقةٍ عدديًّا وماديًّا. فالخطب والأناشيد لم تعد مُجَـرّد كلمات، بل تحوّلت إلى أناشيد تحشيدٍ عصرية، تمدّ مقاتلينا بالثقة وتؤكّـد لهم أن النصر آتٍ بإذن الله، مستلهمين انتصارات الإسلام الأولى.

وفي الختام، أصبح المولد النبوي في اليمن استراتيجيةَ اتصال عالميةً متكاملة، وسلاحًا قويًّا في مواجهة حربٍ شعواء. إنه خطابٌ يُوجَّه من تحت الأنقاض إلى العالم بلغة الإيمان والقيم والإرادَة، محوِّلًا مناسبةً دينيةً إلى أدَاة فاعلةٍ في كسب معركة الوجود ضدّ كُـلّ أعداء الله والإنسانية.