المولد النبوي الشريف.. مناسبة أعادت تشكيل نظرة العالم لأنصار الله
عبدالرحمن حسين العابد
يحيي اليمنيون، بقيادة أنصار الله، ذكرى المولد النبوي الشريف في عموم المحافظات كل عام، رغم محاولات بعض الجماعات التقليل من شأنها أو اعتبارها بدعة، أو وصفها بالدعاية السياسية.
إلا أنّ هذه المناسبة سرعان ما تجاوزت تلك الاتهامات لتصبح حدثاً دينياً وسياسي بالغ التأثير، ساهم في تغيير النظرة إلى أنصار الله داخلياً وخارجياً.
لقد انتقلت من كونها مجرد شعيرة تقليدية إلى منصة وعي وتعبئة تعكس الهوية الدينية والسياسية للحركة، وتبرزها كقوة مقاومة أصيلة في المنطقة.
المولد النبوي كمنصة وعي وبناء
منذ أن أكّد قائد الأنصار أنّ الاحتفال بالمولد يجب أن يكون بوعي لا بالإنشاد فقط، اتجهت المناسبة لتأخذ طابعاً أعمق. فصارت دعوة للتعريف بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، واستخلاص الدروس والعبر من سيرته، وربطها بالعمل والجهاد والبناء.
الحشود المليونية في ميدان السبعين بصنعاء وغيرها من المحافظات، ليست مجرد تجمعات احتفالية، بل تعبير عن ولاء شعبي جماعي، ورسالة سياسية ودعوية في آن واحد.
هذه المظاهر جعلت العالم الإسلامي يرى اليمن في مشهد مختلف، بعيداً عن الصورة النمطية التي روّجها الخصوم.
من العزلة إلى الاحترام
على مدى سنوات العدوان، كان يُنظر إلى أنصار الله عبر عدسات التشويه؛ جماعة خارجة عن الإسلام أو أداة إيرانية. لكن الاحتفالات الضخمة بالمولد النبوي أعادت صياغة الصورة.
الجماهير المحتشدة قدّمتهم للعالم الإسلامي كقوة جماهيرية راسخة، تعبّر عن إيمانها وهويتها.
الخطاب المرتبط بالقضية الفلسطينية نقلهم من مربع الاتهام إلى مربع التقدير، باعتبارهم الفاعل الأبرز في نصرة غزة.
التناقض الفاضح لدى خصومهم (من كانوا يدّعون إعادة اليمن إلى الحضن العربي وهم أنفسهم من طبّع مع إسرائيل وقدم المليارات لترامب) جعل أنصار الله يظهرون كأكثر الأطراف التزاماً بقضايا الأمة.
المولد النبوي وفلسطين.. ربط روحي- سياسي
المولد النبوي تحوّل إلى بيعة جماهيرية للمقاومة، حيث يُعلن اليمنيون عبره ولاءهم للنبي والرسالة المحمدية من خلال نصرة فلسطين ومواجهة المشروع الإسرائيلي.
لقد شكّل ربط المناسبة بالتصعيد في البحر الأحمر وتوجيه الضربات للسفن الإسرائيلية نقطة فارقة.
فبينما اكتفى الآخرون بالخطابات، أثبت اليمنيون قدرتهم على ترجمة الولاء للنبي عملياً في معركة الأمة الأولى.. الدفاع عن القدس وغزة.
انعكاسات على الرأي العام العربي والإسلامي
تبدلت النظرة لأنصار الله بشكل ملحوظ:
من اتهامات “البدعة” و”الخروج عن الإسلام”، إلى الاحترام والتقدير في الشارع العربي والإسلامي.
من كونهم جماعة محلية محاصرة، إلى قوة إقليمية مؤثرة ضمن محور المقاومة.
من العزلة الإعلامية خلال سنوات القصف، إلى حضور عالمي، تُنقل صور حشودهم وتُتداول باعتبارها رمزاً للوعي والمقاومة.
الانعكاس الدولي.. صورة متباينة
في الغرب، ورغم الخطاب الأمني الذي يضع أنصار الله ضمن خانة “التهديد”، إلا أن الاحتفالات بالمولد تُقرأ أيضاً كدليل على قدرتهم على الحشد والشرعنة الشعبية.
هذه المشاهد جعلت كثير من مراكز الدراسات ترى أن الجماعة لم تعد مجرد تمرد محلي، بل حركة ذات عمق ديني وسياسي قادرة على التأثير في معادلات المنطقة.
اليمن نموذج متفرد
بالمقارنة مع احتفالات المولد في مصر أو المغرب أو باكستان، يظهر بجلاء أن اليمن قدّم نسخة مختلفة.. ليست محصورة في الطقوس الروحية أو الأعمال الخيرية، بل اندمج فيها الإيمان بالعمل المقاوم.
هذا التفرد عزز من صورة اليمن كبلد ما زال قادراً -رغم الحرب والحصار- على إنتاج نموذج تعبوي–ديني–سياسي يحظى باهتمام العالم.
لقد غيّر المولد النبوي الشريف في اليمن معادلة النظر إلى أنصار الله.
من حركة كانت محل اتهام وتخوين، إلى قوة تُحترم وتُقدّر في العالمين العربي والإسلامي.
المشهد المليوني، الخطاب الواعي، ربط المناسبة بفلسطين، والقدرة على فرض معادلات جديدة في البحر الأحمر، كلها عناصر أسهمت في صناعة هذه الصورة الجديدة.
إنها مناسبة دينية، لكنها في اليمن أصبحت كذلك موسم استراتيجي يعيد صياغة الهوية، ويجدد الولاء للرسالة، ويضع أنصار الله في موقع متقدم بين قوى الأمة الحية.