الجبهة الداخلية الإيرانية.. مناعة فولاذية وإجهاض مؤامرات الرضوخ والانهيار
قلم/ عبد القوي السباعي
في عالمٍ تسكنُه الأوهامُ الدعائية وتهيمن عليه “بروباغندا” العدوّ الصهيوني، استطاعت الجمهورية الإسلامية في إيران أن تُبطِلَ مفعولَ أخطر أنواع الحروب: “حرب الإدراك واللاوعي”.
وخلال السنوات الماضية، كُـلّ من حاول التحدث عن الصراع بين “إسرائيل” وإيران وفق مؤشرات ومعطيات ملموسة، وجد سَيْلًا هادرًا من التعليقات بأن الأمر تمثيلية ومسرحية، (إسرائيل) لن تضرِب إيران، ولن تمُسَّ المنشآت النووية الإيرانية؛ بل مع قائمةٍ طويلة من التطاول والاتّهامات.
وبينما كان البعض يعيشُ في عالمٍ موازٍ صنعته الروايةُ الصهيونية وأجهزتها الإعلامية، كانت إيران تبني جِدارًا فولاذيًّا من المناعة الفكرية والسيادية والسيبرانية لحماية الداخل، تمامًا كما تبني منظوماتٍ صاروخية للدفاع عن سمائها، وصواريخ استراتيجية لردع من تسوّل له نفسه.
جوهر الحربِ الحالية هو إسقاطُ النظام الإيراني -وفقًا لمراقبين- لا فقط تدمير منشآته النووية؛ إذ يرى التحالف الأمريكي الغربي الإسرائيلي أن بقاء المعرفة النووية في العقول الإيرانية يحتم تغيير النظام نفسه، عبر ضرب أصول الدولة وتحويل حياة الإيرانيين إلى جحيم لدفعهم للثورة.
لكنّ مشهد الطائرات الحربية الصهيونية وهي تقصف العمق الإيراني، ومشهد الصواريخ الإيرانية وهي تدمّـر عمقَ “تل أبيب”، نسف هذه المسرحية الكاذبة؛ ليس فقط عبر الرد الناري، بل عبر كشف شبكات العملاء، وضرب أوكار الحرب النفسية، وتأمين الجبهة الداخلية من أخطر عملية تجسس وتخريب منذ سنوات.
في المواجهة الأخيرة، لم يكن الهدف ضرب منشآت نووية فحسب؛ بل كان قلب النظام الإيراني من الداخل؛ فالعدوُّ راهَنَ على تفجير الداخل قبل الخارج؛ فبدأ عدوانَه من “الداخل إلى الخارج”.
عملاء الموساد فجّروا مواقعَ للحرس الثوري، استهدفوا غرف إقامة العلماء، هاجموا منظومات الدفاع الجوية بطائرات FPV انتحارية محلية الصنع، وروّجوا للشائعات، ونشروا الهلعَ والبلبلة النفسية، تساوق معها الإعلامُ العربي المتصهين بشكلٍ رهيب.
لكنّ الردَّ الإيرانيَّ كان بحجم التحدي، اعتقال عشرات العملاء، تفكيك ورش تصنيع طائرات تجسُّسية وانتحارية في قلب المدن، إحباط تفجيرات ضخمة كادت تعصفُ بمصفاة جنوبي طهران، وضبط آلاف الكيلوغرامات من المتفجرات ومئات المنصات الخَاصَّة بالطائرات المسيّرة.
اليوم الاثنين، أعلنت قيادةُ الشرطة الإيرانية في محافظة “أصفهان”، عن تفكيك ورشة سرّية لتصنيعِ الطائرات المسيّرة المتوسطة والصغيرة في ضواحي المدينة، وضبط كميات كبيرة من المعدات والقطع الإلكترونية المستخدمة في هذا المجال.
ما يشير إلى أن الجبهةَ الداخلية الإيرانية والأجهزة الأمنية لم تسقط، بل نهضت أكثرَ وعيًا وتماسكًا، وأسقطت حلمَ العدوّ بربيعٍ إيراني مُصنّع؛ فنجاحٌ وليدٌ تراكُمُ عمل دؤوب قامت به أجهزةُ الإعلام والوعي الاستراتيجي والأمن الإلكتروني الإيراني.
وفقًا لوسائل إعلام إيرانية؛ تم ضبط أكثر من 60 عنصرًا إلكترونيًّا تم رصدهم وهم يبثون الشائعات على مدار الساعة، وتم توقيفهم ومحاكمتهم بتهمة الإخلال بالأمن الوطني والنفسي للمجتمع، تم إغلاق عشرات المِنصات الافتراضية التي تخدم الكيانَ الإسرائيلي وتبث خطاب الهزيمة.
في كُـلّ ذلك، لم تعد إيران فقط مَن تُقاتِلُ، بل الشعب الإيراني نفسه بات خطَّ الدفاع الأول عن هويته وكيانه السياسي والعقائدي.
المعركة الآن ليست على الأرض فقط؛ بل على الوعي؛ فما لم يفهمه مجرم الحرب “نتنياهو” هو أن إيران اليوم ليست فقط مفاعلات “نطنز وفوردو”؛ بل هي شبكة عقائدية وسياسية وثقافية ومجتمعية مترابطة، يصعب كسرُها بقنابلَ ذكية أَو حملات نفسية.
حتى الخطابُ العاطفي الذي وجّهه نتنياهو للشعب الإيراني -في محاولةٍ بائسة للفصل بين الشعب ونظامه- سقط؛ لأَنَّ الشعب يعرف من يقتل أطفاله في غزة، ومن يسرق نفطه، ومن يُرسِل الطائرات لتفجيره في عقر داره.
وبالتالي باتت المعركة على الأرض -بحسب خبراء- لا تميلُ لصالح الكيان الصهيوني؛ فإيران تعادلُ مساحة أُورُوبا الغربية، وتبعد آلاف الكيلومترات عن فلسطين المحتلّة، بينما “إسرائيل” محاطة بكل من يراها عدوٌّ مجرم غاصب.
لهذا، لا قدرة على الحسم لدى العدوّ، ولا خيارات أمامه سوى عمليات نفسية، و”بلطجة استخباراتية”، وحرب عملاء، وحملات إعلامية فاشلة.
الصور القادمة من يافا المحتلّة وحيفا وغيرها، هي رسائل، إلى الشعب الإيراني بأن معركته عادلة وشرعية، وإلى الأُمَّــة أن زمن الانهزام انتهى، وإلى الكيان أن نارَ الداخل الإيراني تتأجَّجُ لتصلَ إليكم لاجتثاثكم.
فمن يملكُ الوعي، لا يُهزَمُ، ومن يسيطر على الجبهة الداخلية، يكتُبُ نهايةَ العدوّ من دون طلقة، وإيران -اليوم أَو غدًا- ستكتب نهاية الغدة السرطانية المسمَّاة بـ “إسرائيل”.