رئيس لجنة معالجة قضايا السجون والسجناء لـ”21 سبتمبر”: مكرمة السيد القائد تحرر المظلومين وتعيد الاعتبار للإنسان والقانون


في خطوة تُعَدّ الأجرأ منذ سنوات، فتحت القيادة الثورية ملف السجون والسجناء، مُعتبرةً ذلك مدخلًا لإعادة تعريف العدالة، وليس مجرد إدارة العقوبة.. لم تكن الإجراءات الأخيرة مجرد إفراجات موسمية، بل كانت جزءًا من مسار منظم يهدف إلى تفكيك التراكمات الثقيلة في المنظومة العدلية ومعالجة الملفات التي طالما ظلت عالقة بسبب التعقيد والإهمال.. بدءًا من قضايا المعسرين، مرورًا بالنزاعات الممتدة، وصولاً إلى قضايا الثأر التي استنزفت المجتمع والدولة معًا.

وفي قلب هذا التحول، برز دور اللجنة المشتركة لمعالجة قضايا السجون والسجناء كذراع تنفيذية تتحرك داخل الواقع، بعيدًا عن المكاتب المريحة، وهي تضع نصب عينيها هدفًا واحدًا: تفريغ السجون من المظلومين، وإنهاء احتجاز الفقراء، والانتقال من منطق العقوبة الجامدة إلى أفق العدالة التصالحية، التي تسعى لِـ إنهاء النزاع من جذوره وإعادة الاعتبار للقانون كأداة للإنصاف، لا للانتقام.

في هذا السياق، يأتي هذا الحوار مع رئيس لجنة معالجة قضايا السجون والسجناء، الشيخ المجاهد علي ناصر قرشه، لإلقاء الضوء على ما تحقق حتى الآن، وما يُجرى العمل عليه، ولمناقشة ملامح المرحلة الجديدة التي تضع تصحيح المنظومة العدلية وإنهاء الملفات المتعثرة، وقضايا الثأر، على رأس أولويات القيادة، باعتبارها معركة بناء دولة، بقدر ما هي معركة من أجل العدالة.

حاوره: ماجد الخزان

مكرمة السيد القائد: رفع الظلم عن المظلومين

ما الدوافع الأساسية وراء إطلاق مكرمة السيد القائد للإفراج عن السجناء والمعسرين؟

مكرمة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي– يحفظه الله – امتداد طبيعي لمشروع قرآني متكامل، جوهره إقامة العدل ورفع الظلم، وردّ الاعتبار للإنسان كقيمة عليا، تنطلق من قوله تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ﴾، ومن إدراك بحجم المعاناة التي راكمتها سنوات العدوان والحصار، وما نتج عنها من تبعات ألقت بظلالها الثقيلة على كثير من المواطنين، فوجد بعضهم نفسه خلف القضبان اما لعجز مادي أو خلل في الإجراءات.

السيد القائد يحفظه الله يرى أن الظلم أيًّا كان شكله، جريمة لا يجوز السكوت عنها، وبقاء إنسان في السجن دون مسوغ قانوني أو بسبب عجز مالي هو ظلم مضاعف: ظلم بالقانون وظلم بالإنسان.

أما الدافع الاجتماعي، فهو أن السجين ليس فردًا معزولًا، بل هو أب، ابن، أخ، أو معيل أسرة.. والسجين المعسر يعني أسرة كاملة في معاناة دائمة.. ومن هنا جاءت المكرمة كخطوة عملية لإعادة تصويب البوصلة، وتأكيد أن الدولة وبقيادتها الثورية ليست سلطة قهر، بل راعية وحامية ومسؤولة أمام الله عن كل مظلوم.

ما الرؤية الإنسانية والاجتماعية لهذه الخطوة من وجهة نظركم؟

رؤيتنا تتجاوز فتح أبواب السجون، لتفتح آفاق الأمل في المجتمع. الإفراج عن السجين المعسر تحرير لأسرة كاملة، وإصلاح للمجتمع لا كسر لأفراده.. السجن ليس مجرد احتجاز، بل مؤشر على صحة العدالة وروح التكافل.

مكرمة السيد القائد – حفظه الله – تؤكد أن المجتمع المؤمن يفك الأسير كما يطعم الجائع ويؤوي اليتيم، وتعيد الاعتبار للعدالة التصالحية التي توازن بين حق المجتمع، وحق الضحية، وحق السجين، دون ظلم أو تفريط، لتبني مجتمعًا متماسكًا ومؤمنًا.

توجيهات السيد القائد: مسؤولية ضخمة أمام الإنسان والقانون

كيف استقبلت اللجنة توجيهات قائد الثورة بشأن هذا الملف؟

بكل وضوح ومسؤولية: استقبلنا هذا التكليف العظيم ليس كمهمة إدارية أو شكلية، بل كواجب جهادي وأمانة ثقيلة على الأعناق.. أمامنا أرواح معلقة، وأسر تنتظر، وحقوق لا تُصان إلا بالجدية والإخلاص.

منذ البداية، كان السيد المولى – يحفظه الله – واضحاً: المطلوب ليس إفراجاً شكلياً، بل النزول إلى الميدان، النظر في عيون السجناء، سماع قصصهم، ومراجعة الملفات بدقة، وتحمل المسؤولية كاملة أمام الله والناس. وماضون بعون الله لإفراغ كافة السجون من المستحقين للإفراج.

التوجيهات كانت واضحة: لا يُفرج عن ظالم، ولا يُترك مظلوم، ولا تُكسر هيبة القانون، ولا تُداس كرامة الإنسان.

ما الآلية المتبعة في مراجعة قضايا السجناء؟

اعتمدنا آلية متعددة المراحل: حصر شامل للسجناء، تصنيف بحسب نوع القضية وطبيعتها وحالتهم الاجتماعية، مراجعة قانونية دقيقة بالتنسيق مع الجهات القضائية، النزول الميداني، فحص الملفات بنداً بنداً، والتأكد من الشروط القانونية مثل الإفراج الشرطي، قضاء ثلاثة أرباع المدة، حسن السلوك، والتمييز بين القضايا الجنائية الخطرة والبسيطة والمدنية.

معايير قانونية وإنسانية.. تنسيق متكامل بين جهات الاختصاص

هل يتم التنسيق مع الجهات القضائية والأمنية؟

بالتأكيد، اللجنة هي جزء من الدولة، وتمثل تكاملاً بين مكتب النائب العام، هيئة التفتيش القضائي، وزارة الداخلية، وزارة العدل وحقوق الإنسان، وهيئة رفع المظالم.. أي إفراج لا يتم إلا عبر آلية واضحة: اللجنة → النيابة → السجن.

التنسيق كان – ولا يزال – حجر الزاوية في نجاح هذا الملف.. فقد عملنا بشكل مباشر مع النيابات العامة، والمحاكم، وإدارات السجون، والأجهزة الأمنية، وكان هناك تبادل مستمر للمعلومات، واجتماعات ميدانية، ونقاشات قانونية عميقة حول بعض القضايا المعقدة.

ما المعايير القانونية والإنسانية التي تعتمدون عليها؟

المعايير ثلاثة: معيار قرآني أساسي يرفع الجور عن السجناء، ومعيار قانوني يتمثل في انتهاء مدة العقوبة، قضاء ثلاثة أرباع المدة، عدم وجود سوابق خطرة، وعدم تشكيل خطر على المجتمع، ومعيار إنساني يشمل حالات الإعسار، طول فترة الحبس مقارنة بنوع القضية، الظروف الاجتماعية والأسرية، ووجود أطفال بلا معيل.

وجوها أرهقها الانتظار وأسراً أنهكها الأمل المؤجل

حدثنا عن النزولات الميدانية.. ما أبرز ما رصدتموه؟

رصدنا معاناة حقيقية، وبعضها مؤلم جداً
ـ سجناء قضوا سنوات كثيرة بسبب مبالغ مالية بسيطة.
ـ سجناء صدرت بحقهم أوامر إفراج ولم تُنفذ.
ـ سجناء انتهت محكوميتهم وبقوا بسبب حقوق خاصة لا يستطيعون سدادها.

رأينا وجوها أرهقها الانتظار، وأسراً أنهكها الأمل المؤجل

كما أن من أبرز الملاحظات المرصودة تمثلت في اكتظاظ السجون بسجناء معسرين، تأخر الفصل في بعض القضايا، وغياب الرعاية الاجتماعية والنفسية اللازمة وهذه الملاحظات تتحول إى توصيات، ثم إلى خطوات عملية.

ما الحالات الإنسانية التي أثّرت فيكم؟

هناك حالات لا تُنسى. رجل مسن قضى أكثر من سبع سنوات بسبب دين لا يتجاوز مئة ألف ريال، ومسن أخر قضى حتى الأن نحو 35 عاماً بشهادة زور، وشاب دخل السجن في مقتبل العمر، وخرج وقد شاب شعره.
أب لم يرَ أبناءه إلا خلف القضبان وحالات كثيرة لا يتسنى الوقت لاستعراضها وحصرها وهي حالات لا تمثل لم أرقاماً، بل صرخات ضمير.

رغم التحديات.. الإفراج عن أكثر من ثلاثة آلاف سجين

أبرز التحديات التي واجهتكم خلال عملكم الميداني؟

التحديات كبيرة، وأولها تراكم الملفات عبر سنوات طويلة، بعضها يعود لأكثر من عشر سنوات، بملفات ناقصة، أو أحكام غير منفذة بشكل صحيح، أو قضايا ظل أصحابها بين النيابة والمحكمة دون حسم. هذا التراكم شكل عبء إنساني ثقيل.

اما التحدي الثاني كان تشابك الحقوق؛ فبعض القضايا فيها حق خاص لا يمكن إسقاطه دون رضا صاحبه، وهنا كنا أمام معادلة صعبة: كيف نرفع الظلم عن السجين دون أن نظلم صاحب الحق؟ هذه معادلة تُحل بالحكمة، والحوار، وبذل الجهد في الوساطة.

التحدي الثالث تمثل في ضعف الإمكانات، ومع ذلك، كنا نستحضر دائماً توجيهات السيد القائد يحفظه الله بأن “الإمكانات لا تبرر التقصير، وإنما تستدعي العمل على أرقى مستوى ونسأل العون في ذلك، أما التحدي الأخطر، فكان ثقافة القسوة التي ترسخت عبر سنوات، ثقافة تنظر إلى السجين كرقم أو كعبء، لا كإنسان. كسر هذه الثقافة كان يتطلب خطاباً جديداً، وممارسة جديدة، وهذا ما نحاول ترسيخه في كل نزول ميداني.

كم عدد السجناء الذين تم الإفراج عنهم وردود فعل الأسر؟

نحن نتحدث عن آلاف.. خلال الفترة الماضية فقط، تم الإفراج عن أكثر من  3300 سجين، إضافة إلى مئات الإفراجات المتواصلة في رجب وما بعد المولد النبوي، وما زال العمل مستمرا.

ردود فعل الأسر كانت مؤثرة إلى حد البكاء؛ أطفال يحتضنون آباءهم لأول مرة منذ سنوات. هذه اللحظات أكدت أن ما نقوم به عبادة ومسؤولية جهادية ووطنية.

حالات معقدة وشراكة مع رجال اعمال هيئات مدنية

كيف تم التعامل مع الحالات المعقدة؟

الحالات المعقدة لم نُهملها، بل تعاملنا معها بالصبر والتدرج.. بعض القضايا تحتاج إلى تشريعات مساندة، أو مبادرات مجتمعية، أو تدخلات مالية. لم نغلق باباً، ولم نقل “انتهى دورنا”، بل أبقينا الملفات مفتوحة حتى إيجاد حل وإغلاقها تماما وعلى رأسها قضايا الثأر وغيرها.

هل للجنة شراكات مع رجال أعمال أو هيئات مجتمع مدني تساعد في تسوية حقوق السجناء المعسرين؟

نعم، وبوضوح، هذا المسار يُعدّ من أهم مرتكزات عمل اللجنة، لأننا ندرك – من منطلق قرآني وواقعي – أن الدولة وحدها، في ظل ظروف العدوان والحصار، لا تستطيع أن تتحمل كل الأعباء، وأن المجتمع شريك أصيل في حمل المسؤولية.

لقد حرصنا منذ البداية على فتح قنوات تواصل مع رجال الأعمال، والتجار، وفاعلي الخير، ليس على أساس الاستجداء، وإنما على أساس الشراكة في الأجر والمسؤولية. كنا نخاطبهم بلغة واضحة: هذه ليست صدقة عابرة، بل مساهمة في فك كربة، وإحياء نفس، وحماية أسرة كاملة من الانهيار.

وجدنا – ولله الحمد – تجاوباً مشرفاً من كثير من رجال المال الذين أدركوا أن المال الذي لا يُنفق في مواضع العدل قد يتحول إلى وبال، وأن من أعظم القربات إلى الله «فك أسير معسر”. وندعو الخيرين وأصحاب الايادي البيضاء الى بذل المزيد والاسهام من أجل تفريج كرب مئات السجناء ممن لايزالون على ذمة حقوق خاصة وغارمين.

دور مجتمعي لافت

 حدثنا عن دور المجتمع والأسر في دعم عملية الإفراج

نؤكد دائماً أن المجتمع شريك أصيل في هذا الملف، وأن كثيراً من حالات الإفراج لا تعيقها النصوص القانونية بقدر ما تعيقها القسوة الاجتماعية وغياب روح التسامح.. حين يتنازل صاحب الحق، أو يقبل بالصلح، فهو لا يتفضل على السجين، بل يسمو بنفسه أخلاقياً، ويقدّم نموذجاً عملياً لقيم الإسلام التي تجعل العفو عنوان القوة لا الضعف.

أما الأسر، فدورها لا يقل أهمية، فهي مطالبة بالثبات، والمتابعة، والدعم النفسي والمعنوي، والاستعداد لاحتواء السجين بعد الإفراج عنه، لأن إعادة الدمج الاجتماعي هي الضمانة الحقيقية لعدم تكرار المعاناة.. الأسرة التي تحتضن ابنها، تحمي المجتمع بأكمله من الانكسار والانحراف.

ماذا بشأن خطط التوسع في التواصل المجتمعي؟

نحن نعمل اليوم على الانتقال من المعالجة المحدودة إلى مشروع تواصل مجتمعي واسع، يهدف إلى تحويل قضية السجناء المعسرين إلى قضية وعي عام.. هذا يشمل تكثيف اللقاءات مع الوجهاء والعقال والشخصيات الاجتماعية المؤثرة، وتفعيل دور العلماء والخطباء في إبراز البعد الشرعي والإنساني لهذا الملف، والاستفادة من وسائل الإعلام لإعادة تصحيح النظرة الخاطئة تجاه السجين المعسر.

نريد لمفهوم العدالة أن يتحول من نص قانوني جامد إلى ثقافة مجتمعية حيّة، تدرك أن السجن في القضايا المالية البسيطة ليس حلاً، وأن الوقاية الاجتماعية أولى من المعالجة المتأخرة.

خطط مستقبلية

هل هناك خطط مستقبلية للجنة في متابعة أوضاع السجناء؟

ننظر إلى هذا الملف باعتباره مساراً دائماً لا عملاً مؤقتاً.. من هنا، نعمل على تعزيز النزول الميداني المنتظم إلى السجون، والمتابعة المبكرة للحالات الإنسانية، والتنسيق المستمر مع الجهات القضائية لمنع تراكم قضايا المعسرين، كما نسعى إلى تقديم مقترحات عملية تساهم في تقليل سجن المعسرين مستقبلاً، ومعالجة الأسباب التي تقود إلى هذا الواقع المؤلم.

من أخطر الملفات التي ظلت معلّقة لسنوات طويلة ملف قضايا الثأر، بما تحمله من نزيف دم، وتعطيل للعدالة واستنزاف للمجتمع.. كيف تعمل اللجنة على إنهاء هذه القضايا المتعثرة؟

قضايا الثأر جروح مفتوحة في جسد المجتمع، وكلما طال بقاؤها، تحولت إلى حالة مزمنة تُورَّث جيلاً بعد جيل. ونحن نتعامل معها باعتبارها أولوية وطنية وأمنية وأخلاقية، نقترب من هذه القضايا بالحكمة والاحتواء، واستحضار القيم الدينية والقبلية، لجعل العفو قوة والتسامح شرفاً، وفق توجيهات السيد القائد يحفظه الله ورئيس المجلس السياسي الأعلى المشير مهدي المشاط.. إنهاء الثأر يعني تحرير البنادق من العبث الداخلي، وإعادة توجيهها نحو العدو الحقيقي، وكل قضية ثأر تُطوى تعني أسرة تنجو وقرية تستعيد استقرارها ودولة تقترب من العدالة الحقيقية.

رسالة أخيرة

ماهي الرسالة الأخيرة الموجهة إلى الأسر والمجتمع؟

رسالتي إلى الأسر التي طال انتظارها: صبركم لم يذهب سدى، وقضاياكم حاضرة في وجدان القيادة، وهذا المسار مستمر بإذن الله حتى تُبذل كل الجهود الممكنة لرفع المعاناة.
ورسالتي إلى المجتمع بكل فئاته: كونوا شركاء في صناعة العدل، لا متفرجين على الظلم، وتذكروا أن من يفرّج عن كربة إنسان، فإنما يفتح باب فرج لنفسه ولوطنه.

هذا هو جوهر التوجيهات التي نحملها، وهذا هو الطريق الذي نسير فيه، مستلهمين روح المشروع القرآني، ومجسدين توجيهات السيد القائد – يحفظه الله – في واقع عملي يهدف إلى بناء مجتمع أكثر رحمة، وأكثر عدلاً، وأكثر وعياً بمسؤوليته أمام الله والتاريخ.

موقع 21 سبتمبر الاخباري.