يوم الإصطفاف اليمني .. مشهد وطني موحد يقطع الطريق على مشاريع التمزيق ويؤكد الاصطفاف خلف خيار المواجهة

يوم الإصطفاف اليمني .. مشهد وطني موحد يقطع الطريق على مشاريع التمزيق ويؤكد الاصطفاف خلف خيار المواجهة


بات يوم الجمعة في اليمن، ومنذ أشهر، يتحوّل إلى موعدٍ أسبوعي للاصطفاف الوطني الكبير، حيث تتدفق الجماهير بعد أداء الصلاة في جميع المحافظات الحرة، لترسم مشهداً موحّداً يؤكد أن الشعب اليمني يقف على قلب رجل واحد في مواجهة مشاريع التمزيق والاستهداف الخارجي، وفي هذا الإطار، شهدت أمانة العاصمة وجميع المحافظات الحرة يوم أمس الجمعة موجة واسعة من الوقفات الشعبية والقبلية التي عمّت المديريات والقرى والعزل عقب أداء صلاة الجمعة، في مشهد يعكس حالة استثنائية من الاصطفاف الشعبي والوعي الجمعي تجاه ما تشهده المحافظات المحتلة جنوب الوطن من تطورات خطيرة، وما يتعرض له الشعب الفلسطيني من عدوان مستمر.

تقرير / طارق الحمامي

 

الوقـفات الشعبية في مختلف المحافظات .. مشهد وطني موحَّد

خرج اليمنيون في أمانة العاصمة وجميع المحافظات الحرة، في وقفات جماهيرية حملت رسائل موحدة المضمون، أكدت في مجملها استمرار الموقف المساند لغزة والشعب الفلسطيني، ورفض الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين.
وتنديداً بارتفاع حصيلة الشهداء في غزة إلى 70,125 شهيدًا وعدد الجرحى إلى 171,015 جريحًا منذ بدء العدوان، مؤكدين أن الممارسات الوحشية للاحتلال ، من قصف المنازل، وتعذيب الأسرى، وعرقلة دخول المساعدات ، تمثل أبشع صور الانتهاكات الإنسانية ونقض المواثيق الدولية.

كما اتفقت بيانات الوقفات في مختلف المحافظات على إدانة الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على لبنان وسوريا، وتهديد مصر والأردن، باعتبارها محاولة لفرض معادلة الاستباحة التي تستهدف المنطقة بأكملها.
وفي السياق اليمني، أدانت البيانات استمرار الأدوار التخريبية السعودية والإماراتية في المحافظات المحتلة، التي تصب في خدمة المشاريع الأمريكية والإسرائيلية، وتؤثر على وحدة اليمن وسيادته.

وقد أجمع المشاركون في الوقفات على تجديد الموقف اليمني الثابت والداعم للمقاومة في غزة ولبنان، والوقوف إلى جانب شعوب الأمة العربية والإسلامية، مؤكدين الجهوزية الكاملة لخوض أي جولة صراع قادمة متى ما صدرت التوجيهات.

كما شددت الوقفات على استمرار التعبئة العامة والتحشيد، والدعوة للالتحاق بدورات التدريب العسكري ودعم القوة الصاروخية والجوية والبحرية، والتأكيد على أن استقرار الجبهة الداخلية مسؤولية مشتركة بين الجميع.

 

الأبعاد والدلالات في المشهد الشعبي والقبلي

إن المشهد الذي رسمته الوقفات الشعبية اليوم يتجاوز حدود التضامن الروتيني مع غزة أو التعبير العابر عن الغضب تجاه العدوان، ليعكس مجموعة من الأبعاد والدلالات المهمة على المستوى الوطني والإقليمي، والتي تعبر عن تماسك اجتماعي غير مسبوق رغم الظروف الصعبة، حيث تأتي هذه الوقفات في ظل ظروف اقتصادية وسياسية معقدة، ومع ذلك يظهر المجتمع اليمني بمكوناته المختلفة بصورة متماسكة، فهذا الحضور الواسع في المديريات والعزل، وخاصة من قبل القبائل، يعكس قدرة المجتمع على توحيد صفوفه وإظهار انسجام نادر في لحظات التهديد الخارجي.

كما تؤكد هذه الوقفات أن القضية الفلسطينية ليست مجرد أجندة سياسية، بل هي جزء من الهوية الثقافية والاجتماعية والدينية لليمنيين، وتُظهر الشعارات والهتافات أن الموقف التضامني نابع من جذور عميقة، وأن التعاطف مع غزة ليس مرتبطاً بالظرف الراهن فحسب، بل يعكس قناعة راسخة ومستمرة.

الحضور القبلي المشهود في الوقفات يعكس الدور التاريخي للقبيلة اليمنية بوصفها مكوناً محورياً في الدفاع عن الأرض والهوية. وهو حضور يتجاوز دعم القضية الفلسطينية ليشكل رسالة ردعية لكل من يحاول المساس بسيادة اليمن.
فالقبيلة التي لعبت دوراً مفصلياً في التاريخ السياسي اليمني ما زالت تثبت أنها جزء لا يتجزأ من منظومة الردع الوطني.

أحد أهم أبعاد هذه الوقفات هو تأثيرها في رفع الروح المعنوية وتعزيز الثقة بقدرة المجتمع على الصمود، إذ إن مشهد الحشود في القرى والجبال والسهول يعطي انطباعاً قوياً بأن الجبهة الداخلية ما تزال متماسكة رغم التحديات.
ومن الناحية العملية، تمثّل هذه الوقفات شكلاً من أشكال الحرب النفسية المضادة، التي تساهم في إحباط محاولات زعزعة الاستقرار الداخلي.

وتكررت في بيانات المحافظات عبارات التفويض للقيادة باتخاذ ما تراه مناسباً في مواجهة المؤامرات والتهديدات، وهذا التفويض يشكل في الواقع غطاءً اجتماعياً وسياسياً لأي خيارات قد تُتخذ مستقبلاً.
فالتحركات الشعبية التي تمنح قيادتها الشرعية الشعبية الفعلية تخلق حالة سياسية فريدة تعزز من قدرة الدولة على اتخاذ مواقف إقليمية فاعلة.

كما لم تقتصر البيانات على فلسطين فحسب، بل ربطت بين العدوان الإسرائيلي على غزة وبين التحركات السعودية والإماراتية والبريطانية في الجنوب المحتل، وهذا الربط يعكس وعياً شعبياً معتبرًا بأن التهديدات الخارجية مترابطة ومتكاملة ضمن إطار جيوسياسي واحد.
وتحذير المشاركين  من محاولات تمزيق اليمن يعبّر عن إدراك أن المعركة ليست عسكرية فقط، بل سياسية وجغرافية واقتصادية.

من جانب آخر فإن التركيز المتكرر في البيانات على العودة إلى الله والثقة به، يعكس بوضوح الدور المركزي للإيمان في تشكيل الوجدان الشعبي اليمني، وهذا البعد الروحي كان له دور تاريخي في حروب اليمنيين وصمودهم، وهو اليوم ينعكس مجدداً عبر الحشود التي ترى في البعد الإيماني أحد أهم مصادر قوتها في مواجهة الظروف والمخاطر.

بيانات الوقفات نددت بالدور الأمريكي بصفته شريك رئيسي للعدو الصهيوني في الجرائم، ويقدمها كعدو مركزي، يعكس رؤية شعبية ترى في المواجهة مع الهيمنة الغربية جزءاً من معركة التحرر الوطني، لا مجرد تضامن مع غزة.
وهذا المفهوم يعمّق فكرة المصير المشترك، بين اليمن وفلسطين ضمن معادلة مواجهة واحدة.

 

خاتمة

لقد أظهرت الوقفات الشعبية الحاشدة اليوم صورة واضحة لمجتمع متيقظ، واعٍ، ومتماسك، يرى أن دوره ليس مقتصراً على التضامن الكلامي، بل يمتد إلى الاستعداد العملي لخوض أي مواجهة تفرضها الظروف الإقليمية.
وتؤكد هذه الوقفات أن التعبئة العامة مستمرة، وأن الوعي الشعبي يتصاعد، وأن الوحدة الاجتماعية رغم كل التحديات، لا تزال تشكل الركيزة الأساسية لصمود اليمنيين في وجه مشاريع التفتيت والهيمنة.

إن المشهد العام يعكس أن اليمن، شعباً وقيادةً، ما يزال ثابتاً في موقعه التاريخي إلى جانب فلسطين، ومتمسكاً بحقوقه الوطنية في السيادة والوحدة، ومستعداً لخوض معركة الإرادة والصمود مهما كلف الأمر.

 

 

يمانيون.