من الشراكة المزيفة إلى الانهيار الاستراتيجي: قراءة في فتنة ديسمبر وسقوط مخططات العدوان بعد هلاك عفاش
من الشراكة المزيفة إلى الانهيار الاستراتيجي: قراءة في فتنة ديسمبر وسقوط مخططات العدوان بعد هلاك عفاش
في الثاني من ديسمبر، ارتسمت أمام الشعب اليمني صورة الخيانة الداخلية بأوضح صورها، كاشفة عن مشروع مدروس لإسقاط الدولة من الداخل، بقيادة زعيم الخيانة، الهالك عفاش، الذي راهن على طموحه السلطوي القديم، وظن أن المناورة الطويلة ستمنحه الغطاء المثالي للعودة إلى السلطة. لم يكن ما حدث مجرد صراع على النفوذ أو السيطرة على مؤسسات الدولة، بل فصلًا استراتيجيًا من خطة محكمة لتفكيك الجمهورية اليمنية، تمهيدًا لإعادة ترتيب المشهد السياسي لصالح تحالفات خارجية معادية بقيادة التحالف السعودي الإماراتي بدعم أمريكي وإسرائيلي. المعتاد على اللعب السياسي والتلاعب بالحقائق، اعتقد الهالك عفاش أن الشراكة المؤقتة مع أنصار الله منذ 2015 نافذة للعودة إلى السلطة، متظاهراً بالولاء، ومتنكراً للنية الحقيقية، بينما نسج في الظل شبكة مؤامرات استهدفت مؤسسات الدولة، معطلة عملها، وممهدة الفوضى الداخلية التي يمكن أن تُستغل لتحريك الرأي العام ضد أنصار الله، ولتوفير مبررات لتدخل التحالف الخارجي.
تحليل هذه المرحلة يظهر أن الهالك عفاش بالغ في تقدير قدراته، مغفلًا قدرة الدولة على الصمود ووعي الشعب اليمني. كان يدرك أن التدخل الخارجي عنصر حاسم، لكنه تجاهل أن وحدة الشعب وصرامة الأجهزة الأمنية تشكل حاجزًا منيعا أمام أي فتنة شاملة. الثاني من ديسمبر لم يكن مجرد اختبار للشراكة المزيفة بين القوى الداخلية، بل اختبارًا لمتانة الدولة وقدرتها على كشف المؤامرات قبل أن تتحول إلى كارثة وطنية. تكشف الأحداث دروسًا استراتيجية: الطموحات الشخصية لا تتفوق على إرادة الدولة والشعب، وأي مشروع خياني يعتمد على الانقسام الداخلي يفشل أمام قيادة واعية وشعب متحد، واليمن رغم الحرب يمتلك من الوعي والصرامة ما يجعل أي خيانة قابلة للاحتواء والإفشال قبل أن تتحول إلى تهديد وجودي.
الشراكة المزيفة وبذور الخيانة
مع بداية العدوان في 2015، تشكلت شراكة مؤقتة بين أنصار الله وزعيم الخيانة، الهالك عفاش، ظهرت كالتزام سياسي لمواجهة العدوان، لكنها كانت غطاءً استراتيجيًا لتهيئة الطريق لعودته إلى السلطة. فقد استغل الشراكة لإخفاء نواياه، مدعيًا الولاء والانخراط في مسار الدولة، بينما كان في الخفاء ينسج شبكة من الموالين داخل مؤسسات الدولة، معطلاً عملها بشكل تدريجي وممهدًا الطريق لفتنة داخلية. هذا التوازن المزيف بين الولاء المعلن والخيانة المستترة منحه شعورًا زائفًا بالسيطرة، لكنه تجاهل قدرة الأنصار والأجهزة الأمنية على كشف مؤامراته قبل تحولها إلى تهديد وجودي.
في هذا السياق، عمل عفاش على تعطيل مهام المؤسسات الحكومية وإرباك الخدمات الحيوية، ما أدى إلى حالة من الإرباك الاجتماعي والاقتصادي، مستفيدًا من ضعف الرقابة الإعلامية والدعم الإقليمي. وكان الإعلام الموالي له أداة رئيسية لتشويه صورة أنصار الله وتصوير الدولة على أنها في حالة انهيار، بينما كانت خططه العسكرية تُبنى في الظل عبر التمركز في مواقع استراتيجية للتحرك عند بدء الفتنة. ويُظهر التحليل أن عفاش لم يكن مجرد خائن، بل لاعب سياسي حاول استغلال كل ثغرة داخل الدولة، معتمدًا على تحالفات خارجية، لكنه أخفق في تقدير وعي الشعب وصلابة الدولة.
الدرس الأبرز هنا أن عفاش بالغ في تقدير قدراته، معتقدًا أن مؤسسات الدولة ضعيفة وقابلة للاختراق، لكنه تجاهل أن أنصار الله والشعب اليمني، بدعم الأجهزة الأمنية والعقلاء الوطنيين، كانوا يراقبون خطواته ويحدون من نفوذه. لقد كشفت هذه الشراكة الملتوية هشاشة التحالفات القائمة على الخداع، وأكدت أن أي مشروع خياني يعتمد على الانقسام الداخلي محكوم عليه بالفشل أمام الإرادة الوطنية والوعي الاستراتيجي.
الانفجار الأمني والتحركات الميدانية للفتنة
مع تصاعد الخلافات الداخلية، بدأ زعيم الخيانة، الهالك عفاش، تنفيذ خطته الأكثر خطورة لإشعال الفتنة في العاصمة صنعاء، مستغلاً نقاط الضعف التي زرعها خلال الشراكة المزيفة. تمركزت تحركاته في مواقع استراتيجية حساسة، بهدف خلخلة الأمن الداخلي وإرباك الأجهزة الحكومية، مع السعي لإظهار سيطرته على المشهد. في هذه المرحلة، كانت الخطة محاولة لخلق انقسام شعبي وسياسي، مما يتيح له التلاعب بالرأي العام وتوفير ذريعة لتدخل التحالف الخارجي.
أدت تحركاته إلى استفزازات أمنية طالت رجال الأمن والمواطنين، أشرف على تنفيذها نجل شقيقه طارق عفاش، ما عكس الطبيعة العائلية لشبكة الفتنة. رغم ذلك، كانت الأجهزة الأمنية يقظة واتخذت خطوات استباقية لتأمين المؤسسات وحماية المواطنين، بينما انخرطت لجان الوساطة من وجهاء وعلماء اليمن لوقف التصعيد. التحليل الاستراتيجي يظهر أن عفاش بالغ في تقدير تأثير هذه التحركات، متجاهلًا قدرة الدولة على الردع، إذ أن أي محاولة لخلخلة الأمن تتطلب تنسيقًا شعبيًا ومؤسساتيًا لم يكن متاحًا له.
الدرس من هذه المرحلة يكمن في فهم ديناميكيات السلطة والسيطرة: اعتقد عفاش أن التمركز في نقاط استراتيجية سيمنحه اليد العليا، لكنه اكتشف أن القوة الفعلية تكمن في وحدة الشعب وصرامة الأجهزة الأمنية. هذا الانفجار الأمني، رغم محاولاته، أظهر هشاشة أي مشروع خياني يعتمد على العنف والاستفزاز دون دعم شعبي حقيقي، وأكد أن الدولة اليمنية قادرة على مواجهة الفتن الداخلية واحتوائها قبل أن تتحول إلى أزمة شاملة.
انهيار الخطاب الأخير لزعيم الخيانة أمام صاحب القول السديد
مع تصاعد فشل التحركات الميدانية للفتنة في العاصمة صنعاء، لجأ زعيم الخيانة، الهالك عفاش، إلى سلاحه الأكثر خطورة: الخطاب السياسي والإعلامي التحريضي. لم يكن خطابه مجرد كلمات، بل كان خطة لتحويل الرأي العام إلى أداة لتبرير الفوضى. عبر أبواقه الإعلامية، حرّض الشارع ضد الجيش والأمن، مستغلاً ضعف الرقابة الإعلامية وارتباك بعض الجهات المحلية، معتقدًا أن التضليل سيمنحه الشرعية والسيطرة. هذا الخطاب كان امتدادًا لما سبق في المحاور الأولى: بعد فشل الشراكة المزيفة والاستفزازات الميدانية، أراد عفاش تحويل المجتمع إلى ساحة صراع كلامي تهيئ التدخل الخارجي.
في المقابل، جاء خطاب القيادة الحكيمة بقيادة السيد عبد الملك الحوثي كأداة استراتيجية لإفشال المؤامرة. دعا عفاش للتوقف عن مسار الخيانة، موضحًا أن الفتنة تخدم الأعداء وستؤدي إلى الفوضى. هذا الخطاب لم يقتصر على النصح، بل نجح في تحييد المجتمع عن التحريض، مع تأطير الردود الشعبية والميدانية لحماية العاصمة وتماسك مؤسسات الدولة.
التحليل الاستراتيجي يظهر أن صراع الإرادات بين الخطابين كان محوريًا: خطاب عفاش كان قائمًا على التحريض والتضليل، بينما خطاب القيادة الحكيمة استند إلى الوعي والصمود والتخطيط الدقيق، مما أحبط المخطط وأكد هشاشة أي مشروع خياني يعتمد على التضليل دون دعم شعبي حقيقي.
في النهاية، برهنت فتنة ديسمبر على أن الخيانة مهما بلغت قوتها لا تقوى أمام القيادة الواعية والشعب الموحد. كانت لحظة اختبار لوحدة الدولة وصلابة مؤسساتها، وأكدت أن قوة اليمن تكمن في وعي شعبه، صرامة الأجهزة الأمنية، وحكمة القيادة في مواجهة المؤامرات قبل أن تتحول إلى كارثة وطنية. لقد أظهرت هذه المواجهة أن المشروع الخياني يمكن إفشاله بالاستراتيجية الصحيحة واليقظة الوطنية، مشيرة إلى دروس هامة في حماية اليمن من التهديدات الداخلية والخارجية.
وأد الفتنة وتبدد أطماع الرياض وأبوظبي
مع اقتراب الثاني من ديسمبر، كانت آلة الفتنة التي بناها الهالك عفاش طوال سنوات تعمل بأقصى طاقتها، مدفوعة بوعود دعم خارجي ورهانات سعودية وإماراتية. كانت الخطة وفق تصور غرف العدوان: هزّ الأمن داخل العاصمة، خلق انقسام واسع في الشارع، شلّ المؤسسات، ثم تقديم الخائن كمنقذ وحيد قادر على “استعادة الاستقرار”. في الخلفية، كانت الرياض وأبوظبي تتابع مجريات الساعات، بانتظار أن يتحول الاضطراب إلى فجوة تُسقط صنعاء في أحضان المشروع الخارجي، بعد تفريغ القوى الوطنية الفاعلة.
غير أن المفاجأة الكبرى كانت في وعي الدولة وفطنة مؤسساتها الأمنية، التي أحاطت بالمشهد قبل تفاقمه. عندما بدأت مجموعات طارق عفاش بالاستفزازات المسلحة، كانت الوحدات الأمنية قد استبقت الأحداث باتخاذ مواقع دفاعية حاسمة حافظت على السكينة العامة ومنعت انتقال الفوضى إلى عمق العاصمة. لم تكن هذه السرعة مجرد عمل تقني، بل قراءة دقيقة لفلسفة الخيانة التي اعتمد عليها الهالك: إثارة الفوضى، انتظار انهيار الدولة، ثم القفز باعتباره “المنقذ”.
لكن السياق هذه المرة كان مختلفًا؛ فقد استطاع الشعب بخبرته ووعيه تجاه المشاريع الخارجية عزل خطاب الفتنة ووضعه في خانة السقوط الأخلاقي والسياسي. لم تجد دعوات التحريض صدى في الشارع، ولم تُحدث الآلة الإعلامية المرتبطة بالخيانة أي شرخ. اليمنيون فهموا أن ما يحدث ليس صراعًا داخليًا عابرًا، بل محاولة منظمة لإعادة البلاد إلى التبعية عبر أدوات محلية توهمت أن اللحظة سانحة للانقضاض على الدولة. وبهذا، بدأ مشروع الهالك يتفكك، ولم يعد الخائن قادرًا على السيطرة على المشهد.
الوحدات الأمنية أحكمت سيطرتها على المواقع الحيوية، ولجان الوساطة وثّقت تعنته ورفضه لكل مبادرات التهدئة، والشارع اليمني أدرك أن ما يحدث محاولة لاقتلاع المشروع الوطني من جذوره. خلال ساعات حاسمة، تحول مخطط إسقاط الدولة إلى انهيار سريع لم يستطع الهالك إيقافه، خاصة مع تراجع خلاياه تحت ضغط العمليات الأمنية الدقيقة التي فصلت بين المدنيين وأفراد الفتنة وأغلقت طرق التصعيد.
وبذلك، انهارت رهانات العدوان، وتلاحم الشارع في موقف واحد، رافضًا كل محاولات إعادة البلاد إلى زمن التبعية والهيمنة. سقوط الهالك عفاش كان الضربة القاضية لمشروع الخيانة الذي امتد عقودًا، ومعه تبخرت أوهام العدوان وطُمست أطماعه في صنعاء.
وأخيرا، لم يكن وأد الفتنة مجرد حدث أمني أو انتصار ميداني، بل إفشالًا استراتيجيًا لمشروع كامل كان يستهدف قلب اليمن وإعادته إلى حضن القوى الخارجية، مؤكدًا قدرة الشعب والدولة على حماية القرار الوطني وإحباط أي مخطط يقوض الأمن والاستقرار، مهما كانت التحديات، ودفع مشروع الخيانة إلى الزوال.
اليمن بعد انهيار مشروع الخيانة وهلاك زعيم الخيانة
مع انهيار مشروع الخيانة في الثاني من ديسمبر، كان المشهد أكثر من مجرد سقوط فرد أو مجموعة، بل كان إعلانًا تاريخيًا عن فشل منظومة فساد لطالما حاولت تفكيك الدولة اليمنية من الداخل. الهلاك المفاجئ لزعيم الخيانة، الذي راهن على تحريك الفوضى والانقسام لتقويض وحدة الشعب، لم يكن سوى نتيجة حتمية لصراع إرادات بين مشروع وطني متماسك قائم على الوعي الشعبي و القيادة الحكيمة، وبين طموحات سلطوية تسعى لتحويل اليمن إلى ساحة صراع داخلي لخدمة أجندات خارجية. لقد أفشلت الدولة، عبر أجهزتها الأمنية والشعب المتحد، هذا المخطط قبل أن يتسنى له أن يتحول إلى كارثة وطنية.
اليمن اليوم، بعد انهيار هذا المشروع، أصبح أكثر إصرارًا على حماية سيادته و استقلاله. إن هلاك زعيم الخيانة لم يكن نهاية شخصية فقط، بل كان فشلًا استراتيجيًا لجميع القوى التي راهنت على تقسيم اليمن وإعادته إلى حالة تبعية. لقد أسقط اليمن بهذا الانتصار مشروع الخيانة الداخلية الذي كانت تدعمه بعض القوى الإقليمية، وأثبت أن قوة الدولة لا تكمن فقط في المؤسسات، بل في وحدة شعبها و إرادة قيادتها التي لا تتنازل عن المصلحة الوطنية تحت أي ظرف. هذه اللحظة تمثل دروسًا استراتيجية: أن أي محاولة لتفكيك اليمن أو إضعافه داخليًا لن تنجح، وأن مشروع اليمن الوطني سيظل عصيًا على كل المحاولات الهادفة لإعادة تدوير مشاريع الخيانة.
موقع 21 سبتمبر.