من فتنة عفاش إلى المؤامرة الإسرائيلية الراهنة.. خيانةٌ تتوارثها الأدوات ويُعيد الزمن إنتاجها


تقرير – أحمد قحيم

ثماني سنوات مرّت على إسدال الستار عن واحدة من أحلك صفحات الغدر في تاريخ اليمن الحديث، يوم حاول الهالك علي عبدالله صالح –الذي طالما قدّم نفسه “راقصًا على رؤوس الثعابين”– أن يعيد إنتاج دوره القديم تحت عباءة العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي، في لحظة فارقة كانت البلاد فيها تخوض معركة مصيرية ضد أخطر تحالف عسكري واقتصادي وإعلامي عرفته المنطقة.
لم تكن فتنة الثاني من ديسمبر 2017 حدثًا عابرًا أو نزوة سياسية، بل كانت ورقة مدّخرة بعناية في أدراج تحالف العدوان، أُريد لها أن تفتح أبواب “الصوملة” على اليمن، وأن تعيد عجلة التاريخ إلى الوراء، وأن تمزّق الجبهة الداخلية وتسلّم صنعاء على طبق من خيانة للأجندة الأمريكية–الصهيونية، لولا الوعي الشعبي الصلب واليقظة الثورية التي أسقطت المؤامرة خلال ساعات.

اليوم، وفي ظل المرحلة الراهنة التي يواجه فيها اليمن مباشرة المشروع الصهيوني ويدكّ المصالح الحيوية للعدو في عمق الكيان وفي البحر الأحمر وباب المندب، تعود ذات الخيوط، بذات الأدوات، بذات العناوين، وبذات الطابور الذي ما زال يقدّم خدماته للعدو على طبق من ولاء مفضوح.


جذور فتنة ديسمبر.. من اغتيال الحمدي إلى التحالف مع العدوان

لم تكن فتنة 2017 مفاجأة لمن يعيد قراءة تاريخ الخيانة منذ سبعينيات القرن الماضي، عندما كان اغتيال الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي محطة فارقة فتحت الباب أمام قوى التبعية والعمالة.
طوال عقود، بنى عفاش شبكة ارتباطاته الخارجية، وأدار تحالفاته بما يخدم القوى الإقليمية المرتبطة بالقرار الأمريكي، ليبلغ ذروته عام 2015 حين تحالف رسميًا مع العدوان السعودي الإماراتي، وفتح المجال الجوي والبري والبحري للغزاة.

كان مسار الخيانة طويلًا ومتدرجًا، وبلغ أشدّه في ديسمبر 2017 عندما حاول عفاش الانقلاب على اتفاق الشراكة مع أنصار الله، هو وابنه وأعوانه، بعد أن استكملوا تخزين السلاح في مواقع حساسة –من بينها مسجد الشعب– استعدادًا لـ”لحظة الصفر”.


الشرارة.. تفاصيل الساعات الحرجة قبل انهيار المخطط

أظهرت قيادة الثورة يقظة عالية عندما اكتشفت مخططات الفتنة، حيث كثّف الخائن عفاش حملاته الإعلامية التضليلية، وافتعل الأزمات الداخلية، وروّج لأكاذيب حول “اختلالات” في مؤسسات الدولة بهدف خلق نقمة شعبية تُستثمر لتمرير الانقلاب.
ورغم مناشدات السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي -يحفظه الله- بضرورة التراجع عن التوجّه الخطير، أصرّ رأس الفتنة على المضي في مخططه المدعوم إماراتيًا، وصولًا إلى لحظة المواجهة التي لم تستغرق سوى 70 ساعة.

انتهت الفتنة بانهيار كامل لمخطط عفاش، الذي قُتل في مسقط رأسه بسنحان بعد محاولته الهروب، في لحظة كشفت حجم الانهيار الداخلي لمعسكر الخيانة، وعزلة عفاش حتى داخل قبيلته.


السيناريو الكارثي.. ماذا لو نجحت فتنة الراقص على رؤوس الثعابين؟

لإدراك خطورة ما كان ينتظر اليمن، لا بد من إسقاط سيناريو الفتنة على تجارب حقيقية؛ وأبرزها النموذج الصومالي الذي دخل دوامة الفوضى منذ 1991 وتحول إلى دولة منهارة، تتقاسمها الفصائل، وتنهب ثرواتها الشركات الأجنبية.

لو نجحت فتنة 2017:

1. عسكريًا وسياسيًا

  • كانت اليمن ستدخل “عصر الصوملة” كما تنبأ رأس الفتنة نفسه.

  • تفكك القرار الوطني، وتشتت الجبهة العسكرية التي كانت تخوض قتالًا على أكثر من 40 جبهة.

  • عودة النظام السابق، وتنافس فصائل تحالف العدوان ومرتزقته على الحكم، خصوصًا بين جناح عفاش والإصلاح.

2. أمنيًا

  • انهيار مؤسسات الدولة وتحول صنعاء إلى ساحة اقتتال داخلي.

  • دخول قوات أجنبية تحت مسميات “حفظ السلام” و“استعادة الأمن”.

3. اجتماعيًا

  • تفكك النسيج الاجتماعي والقبلي، وتحول الخلافات المناطقية والطائفية إلى صراع دموي طويل.

  • موجات نزوح جماعي مشابهة للنموذج الصومالي.

4. اقتصاديًا

  • انهيار العملة بشكل كامل، وانقطاع الرواتب والخدمات، واتساع رقعة الفقر والجوع.

  • خصخصة ثروات اليمن لصالح الشركات الأجنبية كما حدث في الصومال، وفتح الموانئ والموارد للتحالف.

كان اليمن سيخسر كل شيء: السيادة، الوحدة الداخلية، الاستقلال، والقدرة على مواجهة العدوان الخارجي.


كيف سقطت الفتنة؟.. سلاح الوعي الشعبي وصخرة القيادة الثورية

لم تسقط فتنة ديسمبر بالقوة العسكرية وحدها، بل سقطت بثلاثة عوامل محورية:

1. يقظة القيادة الثورية

قراءة دقيقة للمشهد، خطاب هادئ وقوي للسيد القائد، ومحاولات احتواء للموقف حتى اللحظة الأخيرة.

2. موقف القبائل اليمنية

القبيلة اليمنية قدّمت واحدة من أنصع صور الانحياز الوطني..
رفضت الانخراط في مشروع الخيانة، ووقفت خلف الجيش واللجان، وفتحت الطرقات، وقدّمت قوافل الرجال والمال والغذاء.

3. انهيار منظومة الخيانة من الداخل

الخائن طارق عفاش كان قد أعدّ معسكرات ظاهرها “مواجهة العدوان”، مثل المعسكر الذي أنشأه تحت مسمى معسكر “الشهيد الملصي”، والذي تبيّن لاحقًا بأنّه أنشئ لاستهداف أبناء الشعب اليمني وأبطال الجيش واللجان الشعبية.

المرتزق سلطان البركاني كان هو الدينامو السياسي لتمرير الخطة مع تحالف العدوان.

لكن لا أحد منهم امتلك الجرأة لإعلان موقفه صراحة أمام قواعد المؤتمر أو أمام الشعب.


الخيوط تمتد إلى الحاضر.. المؤامرة الإسرائيلية الراهنة واستدعاء العفافيش

اليوم، ومع فشل العدو الإسرائيلي في مواجهة العمليات البحرية اليمنية، ومع الإرباك الاقتصادي الذي خلفته الضربات اليمنية العميقة، عادت “أدوات الماضي” إلى الواجهة من جديد.
يحاول العدو إعادة تدوير العفافيش عبر:

  • نشر الشائعات.

  • التحريض باستخدام عناوين معيشية مثل “المرتبات”.

  • اللعب على النزاعات المناطقية.

  • تشويه موقف صنعاء من العدوان على غزة.

إنه تكرار واضح لأسلوب 2017، لكن مع اختلاف بسيط:
هذه المرة يقف العدو الإسرائيلي مباشرة خلف المخطط وليس مجرد الوكيل السعودي–الإماراتي.


السيد القائد يحذّر.. وعي الشعب خط الدفاع الأول

في خطاباته الأخيرة، أكد السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي أن أي انحياز للعدو الإسرائيلي أو محاولة لإرباك الداخل ستواجه بحزم شديد، وأن الشعب نفسه سيكون الحائط الأول الذي تتحطم عليه هذه المشاريع.

تحذيرات السيد ليست خطابًا عاطفيًا، بل قراءة استراتيجية لتشابه المخططات بين:

  • فتنة ديسمبر 2017

  • والمؤامرة الإسرائيلية الراهنة.

كلاهما يستهدف الجبهة الداخلية، وكلاهما يستهدف القرار الوطني، وكلاهما راهن على أدوات الخيانة ذاتها.


خلاصة ثمان سنوات.. الوعي الوطني ينتصر والخيانة تفشل

إن إسقاط فتنة ديسمبر لم يكن مجرد انتصار عسكري، بل كان:

  • انتصارًا للوعي الجمعي.

  • تكريسًا لسيادة القرار الوطني.

  • وأدًا لمحاولة “صوملة اليمن”.

  • تثبيتًا للجبهة الداخلية في مواجهة العدو الخارجي.

وهو الانتصار الذي مكن اليمن لاحقًا من:

  • تطوير ترسانته العسكرية.

  • شنّ عمليات بحرية نوعية أربكت الكيان الصهيوني.

  • لعب دور مركزي في محور المقاومة.

  • فرض معادلة ردع استراتيجية في البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي.


الأدوات التي فشلت بالأمس ستفشل غدًا

ثماني سنوات مضت، وما زالت دروس فتنة ديسمبر حيّة وفاعلة.
فاليمن اليوم أقوى، وأكثر وعيًا، وأكثر رسوخًا في مشروع التحرر.. والأدوات التي فشلت بالأمس ستفشل غدًا، لأن المعركة لم تعد مع “عفاش” وأتباعه فقط، بل باتت مع المشروع الأمريكي–الصهيوني نفسه، الذي وجد في اليمن سدًّا منيعًا لا يمكن اختراقه.

موقع 21 سبتمبر.