فنجان القهوة الصباحي… سحرٌ للأمعاء أم عبء على المعدة؟


بين طقوس الصباح المحببة لدى الملايين، تظل القهوة أكثر المشروبات إثارة للجدل من حيث علاقتها بصحة الجهاز الهضمي. فبينما يعتبرها البعض محفزاً طبيعياً لحركة الأمعاء ومنشّطاً للبكتيريا النافعة، يراها آخرون سبباً مباشراً للحموضة وارتجاع المريء.
دراسات حديثة نُشرت في مجلة Gut البريطانية المتخصصة كشفت أن تأثير القهوة في القولون يبدأ خلال دقائق من تناولها، إذ تزداد حركة المستقيم والقولون السيني بنسبة لافتة، ويشعر ما يقارب ثلث الأشخاص برغبة فورية في دخول دورة المياه بعد فنجان القهوة. هذا التأثير، وفق الباحثين، يعادل تقريباً مفعول وجبة كاملة ويزيد بنحو 60 في المئة على تأثير الماء، ويفوق القهوة منزوعة الكافيين بنسبة 23 في المئة.
القهوة لا تقتصر على تحفيز الأمعاء فحسب، بل تؤدي أيضاً إلى رفع مستويات هرمون الغاسترين المسؤول عن إفراز حمض المعدة، إلى جانب زيادة هرمون CCK الذي يحفز تقلص المرارة بنسبة تصل إلى 30 في المئة، ما يسهم في تسريع عملية الهضم ومزج الطعام بالعصارة الصفراوية. وتشير دراسات منشورة في مجلة نيتشر ميكروبيولوجي إلى أن القهوة تعمل بمثابة غذاء للبكتيريا المفيدة في الأمعاء بفضل محتواها من البوليفينولات، التي تعزز نمو أنواع مثل لاوسونيباكتر أساكاروليتيكوس وترفع تنوع الميكروبيوم.
لكن هذا الوجه المشرق للقهوة لا يخلو من آثار جانبية. فبحسب “مايو كلينك”، يؤدي الكافيين إلى ارتخاء صمام المريء، ما يسمح بارتجاع الأحماض وظهور أعراض الحرقة، خصوصاً عند تناول القهوة على معدة فارغة أو بكميات كبيرة. وينصح الأطباء من يعانون الارتجاع المريئي المزمن بتقليل الكمية أو اللجوء إلى القهوة منزوعة الكافيين وتناولها بعد الوجبات.
كما تلعب الإضافات دوراً في تفاقم المشكلات الهضمية؛ فالحليب كامل الدسم أو الكريمة الثقيلة قد يضاعفان الشعور بالحرقة، في حين يسبب الحليب العادي اضطرابات لمن يعانون عدم تحمل اللاكتوز.
من جهة أخرى، يبدو أن توقيت شرب القهوة قد يكون العامل الحاسم، إذ أظهرت دراسات أن الكافيين يكون أكثر فاعلية في منتصف الصباح أو بعد الظهر عندما يكون هرمون الكورتيزول في أدنى مستوياته، ما يجعل قهوة منتصف النهار أكثر انتعاشاً من فنجان الفجر.
أما البدائل الطبيعية، فهناك خيارات متعددة توفر طاقة ألطف على المعدة مثل الشاي الأخضر الغني بمضادات الأكسدة والكافيين المعتدل، والشاي الأسود الذي يمنح انتعاشاً متوازناً، إضافة إلى مشروبات الزنجبيل والجينسنغ التي تنشّط الدورة الدموية وتعزز التركيز دون أي أثر للكافيين.
في النهاية، تبقى القهوة سلاحاً ذا حدين: حليفاً للهضم عند البعض، ومسبباً للإزعاج عند آخرين، والفيصل هو الاستماع لجسدك ومعرفة توقيت وكمية الفنجان التي تناسبك.