أجّر التاريخ وباع الجغرافيا

مصطفى-الأعصر

مصطفى الأعصر

تنص المادة (151) من الدستور المصري على التالي: “يمثل رئيس الجمهورية الدولة في علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب، وتكون لها قوة القانون بعد نشرها وفقًا لأحكام الدستور. ويجب دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف وما يتعلق بحقوق السيادة، ولا يتم التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة.
وفى جميع الأحوال لا يجوز إبرام أية معاهدة تخالف أحكام الدستور، أو يترتب عليها التنازل عن أي جزء من إقليم الدولة”.
طبعًا كعادة الدولة المصرية، لا أهمية للدستور أو تطبيقه على أرض الواقع في ظل وجود سلطة مستبدة، مواد الدستور عبارة عن أحرف متراصة على ورق رخيص بلا قيمة، مثله تمامًا كورق التواليت، وفي ظل تورط السلطة الحالية في قضايا سياسية دولية مثل قضية ريجيني والعلاقات السيئة مع إيطاليا، ومن قبلها المكسيك، وتورط السلطة في جر اقتصاد الدولة إلى أسفل الأسفلين بعد الفشل المتكرر في إدارة شؤون البلاد كما ينبغي أن تكون، واتخاذ منهج “الفهلوة” والكذب والنفاق والمشاريع القومية الوهمية طريقًا متّبعًا لخداع الشعب، وكانت النتيجة دولة على حافة الهاوية مهددة أن تسقط مع أقل هبّة ريح، لم تجد السلطة سوى السعودية حليفًا ينقذها مما آلت إليه، فانبطحت الدولة على بطنها مقدّمة نفسها قربانًا إلى الملك المنقذ، ليس لها من قرار أو سيادة، كل ما يقوله الملك غير خاضع للنقاش، نحن في أمس الحاجة إلى القليل من “الأرز” الخليجي! (الأرز الخليجي: كناية عن الأموال الكثيرة السائبة).
شرطة أم مليشيات مسلّحة؟
انتهى الأمر بإعادة ترسيم الحدود الشرقية لمصر، وضم السعودية لجزيرتي “تيران” و”صنافير”، لن أتحدث عن الأهمية الاقتصادية أو الإستراتيجية للجزيرتين فلست أهلًا لذلك، ولكن أليس من رأي لأهل الأرض؟ أليس من سلطة للشعب أو للدستور؟ يتعامل الرئيس مع أراضي الدولة المصرية وكأنها إرث آل إليه من أسلافه السابقين، يفعل بها ما يحلو له دون مساءلة أو حساب، ترددت على مسامعي مقولة “عواد باع أرضه، شوفوا طوله وعرضه” ولكن في الحقيقة هو ليس بعواد، والأرض ليست أرضه، ولكن مبدأ البيع موجود، سواء للأرض أو للشعب، دومًا ما نتعرض للبيع من الحاكمين الذين يعطون ما لا يملكونه لمن لا يستحق أن يناله!
كتبت في مقال سابق بتاريخ 25 شباط/فبراير 2016 “وفي لهجة عنترية منه، استمر السيسي في تصريحاته الغريبة “والله العظيم، أنا لو ينفع اتباع، لاتباع”.
رئيس دولة بحجم مصر يخرج منه مثل هذا التصريح، رئيس يعرض نفسه للبيع على الهواء ماذا تنتظرون منه؟ بيع البلاد ليس أعز عليه من بيع نفسه”.. وقد كان.
من سنوات قليلة واجه الرئيس السابق محمد مرسي اتهامًا صريحًا بالخيانة بعد انتشار أقاويل حول تنازله عن مثلث حلايب وشلاتين للسودان، وهو الرئيس ذاته الذي واجه انتقادات أليمة بعدما انتشرت شائعة عن نية الحكومة في تأجير الآثار المصرية لدولة خليجية، لن أضع هذه الحوادث في الميزان، فكلها كوارث حقيقية تحط من قيمة الدولة المصرية، ولكن هناك رئيس اختار أن يؤجّر ماضي وتاريخ بلاده من أجل حل مشكلات الحاضر، وهناك من اختار أن يبيع جغرافيا الحاضر من أجل القليل من “الأرز”.