عندما تنعدم الإنسانية
بقلم / احترام عفيف المُشرّف
الإنسانية مصطلح يعرف به الكائن البشرى الذي ميزه الله سبحانه عن سائر مخلوقاته بالعقل الذي هو الركيزة والأساس والذي به يلزم الإنسان بالتكاليف ويسأل ويحاسب.
( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)
وبعدمه يسقط عنه التكليف فهو المركز الأول للإنسان.
أيضاً ميز الإنسان عن سائر المخلوقات بالقلب ولا نعني القلب تلك العضلة التي تمد الإنسان بالحياة فهي موجودة عن كل الكائنات. ما نعنيه هو القلب الذي هو موقع ومكان نظر الله تعالى ففي صالحه المعنوي يصلح سائر الجسد وبفساده يفسد سائر الجسد. والقلب الصالح ينتج عنه الضمير الذي به يمتنع الإنسان عن الأمور التى لا تليق به كخلفية لله في أرضه فلا يقتل ولا يظلم ولا يسرق ولا يخون ولا يصدر عنه شيء مما لا يمد للعقل والقلب والضمير والذي مُيز بها عن سائر المخلوقات وبها يُثاب وعليها يعاقب وبذلك يكون إنسان بمعنى كلمة إنسان.
ومن هنا نعرف أن الإنسانية ليست مجرد كلمة جوفاء أنها مفهوم واسع يحاول أن يصف أن تكون إنسانً وما يجب عليك تجاه أخيك الإنسان. الذي من حقه العيش بكرامة أين كان جنسه ولونه ودينه، وثقافته. هذا الحق يشمل الحرية الكاملة للإنسان وحمايته من كل أنواع الظلم، فالإنسانية هي عودة للعيش بكرامة و رحمة.
أما إذا انعدمت الإنسانية وصار ذلك المخلوق المسمى إنسان مجرد جسد خالي من كل تلك الصفات، مجرد من الميزات التي كرمه الله بها وأن وجدت ظاهريا فليس لوجودها معناه الحقيقي.
( أَفَلَـمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ).
إذا عميت القلوب ولم تعد تعقل وتفرق بين الحق والباطل فلا فائدة من بقية الجوارح وأن كانت تعمل بالصورة الطبية فقد فقدت جانبها المعنوي والذي هو سر وجودها ومعناها الإنساني.
وعندما تفقد الإنسانية جوهرها السامي يخلق واقع مأساوي نرى فيه كلما لا يمد لها بصلة وهو حقيقة ما نشاهده الآن من انعدام للضمائر وموت للقلوب وهي ترى ما يحدث في الأرض من قتل وسحل وتشريد وحصار وتجويع للإنسان في شتى بقاع المعمورة بالإنسان المتجرد من إنسانيته.
وإذا كان لنا ان نضرب مثل نجمع فيه كيف فقدتت الإنسانية وقُتلت سنكلمكم فقط عن غزة المنكوبة بسبب عدوها اللعين، المنسلخ عن الإنسانية انسلاخا تاما، إنسان غزة يتجمد من شتائه الماطر على خيمته التي لا تغني ولا تسمن من جوع،
لابد من يوم تقف فيه الإنسانية لتحاسب أمام الله عنما يعانيه أهل غزة ستقف كل الإنسانية في عرصات القيامة والله هو الحاكم ورسول الله الخصم وإنسان غزة المدعي و ويل لهم من مشهد ذلك اليوم. وهم من خذل غزة وهم من حاصرها وهم من وقف مع قاتلها
على الإنسانية أن تعرف وتتيقن أنها محاسبة أمام الله عن قتل وجوع وبرد أهل غزة.
وعندما نقول الإنسانية نعني الجميع، كلنا من القمة المتمثلة بالحكام والعلماء وأصحاب القرار وكل من له صوت يسمع، وحتى القاعدة المتمثلة بالشعوب الشعوب التي لا تظن أنها خارجة عن المسؤولية عن ما يحدث في غزة فهي أيضاً مسؤولة ومحاسبة غدا أمام الله.
ستسأل الإنسانية جمعا وستحاسب كلها كل حسب عمله وحتى على سكوته فالساكت عما يحدث مشارك ليعلم كل من سكت وتغافل عما يحدث في غزة من مجازر وإبادة وتطهير عرقي وتدمير لكل ما يدب عليها، أنه أيضاً سيحاسب، نعم سيحاسب كل من سكت عما يحدث في غزة جنبا إلى جنب مع من داهن ووقف مع العدو الصهيوني.
الحساب عن غزة سيطال الجميع صقيع غزة سلسع الجميع وخيام غزة ستحرق ذات يوم الجميع، ليس العرب فقط ولا المسلمين فقط وإن كانوا هم أول المسؤولين أمام الله ولكن الحساب سيكون للإنسانية كلها فمأساة غزة قد خرجة عن نطاقها الإقليمي وأصبحت صفحة دامية في وجه الإنسانية.
الإنسانية التي تقزمت أمام ما يحدث في غزة وقد هجمت عليهم تلك الوحوش التي ليس لها من الإنسان إلا الصورة الظاهرية.
الإنسانية التي ترى مظلومية الشعب الفلسطيني، ولم تحرك ساكنا وهي التي صدعت رؤسنا بحقوق الإنسان، ومرت مرور اللائم عما يحدث في غزة من إبادة.
الإنسانية التي إضاعة حق الإنسان في فلسطين و اليمن والعراق وسوريا والسودان وأفغانستان وأي مكان يضطهد به الإنسان، نجد فيه الإنسانية قد لبست ثوب الشيطان الأخرس، ولم تنتصر للمظلومين.
الويل للإنسانية إذا تجردت من ثوبها الذي وهبها الله وتقمصت بثوب الشيطان.
وسكتت عما يحدث للإنسان من ظلم الويل للإنسانية إذا تركت المظلوم ووقفت مع الظالم.
تبا للإنسانية إذا جندت لحماية الظالمين وشرعنة ما يقومون به. تبا للإنسانية وهي تشاهد وتسمع وترى ما يحدث للإنسان وتسكت، الويل لهم من مشهد يوم عظيم يوم يقوم فيه الناس لرب العالمين.