كيف أعاد اليمن تعريف معنى الانتصار في غزة!
تقرير
من بين ركام العجز العربي، ومن عمق الحصار والتهديدات، خرج اليمن ليعيد تعريف الموقف، ويصوغ معادلة جديدة للكرامة والسيادة والإرادة الحرة. فها هو يتحوّل اليوم إلى محور تأثير يفرض منطقه على معادلات البحر والسياسة في آنٍ معًا.
ففي رصيد الإسناد لعامين كاملين، تُسجّل أرقام عمليات اليمن الإسنادية شهادة على مستوى التأثير: 758 عملية عسكرية نُفذت بـ 1835 صاروخًا ومسيرةً وزورقًا، و346 عملية بحرية استهدفت 228 سفينة، وأسقطت الدفاعات الجوية 22 طائرة “إم كيو-9″، ونُفذت 40 عملية تصدٍّ بـ 57 صاروخًا ضد طيران العدو.
أرقام تحكي عن حضور يمنيّ متصاعد في ميدان الصراع، بين القول والفعل مسافةٌ لا يقطعها إلا الصادقين، وقد كان اليمنيون –وحدهم– من اجتازوها بثقة الفاتحين، وبتفوّقٍ صنعوه بدمائهم. فبينما اكتفى كثيرون ببيانات الشجب والرفض، كان اليمن يكتب بلغة النار والدم ما عجزت الأقوال عن قوله.
الحرب في غزة ليست معركة الفلسطينيين وحدهم، بقدر ما هي امتحان للأمة كلها، وميزان يفرز الصادق من المدّعي، والمؤمن من المنافق، والمقاوم من المطبّع. وفي لحظة الحقيقة، حين انكشف الزيف وسقطت الأقنعة، أصرّ اليمن أن يكون ضمير الأمة وذراعها الممتدة نحو فلسطين، يقاتل بالنيابة عنها ويصون ما بقي من شرفها الجمعي.
تجاوز اليمنيون كل تعريفات التضامن التقليدي، وقفزوا من مربع الإدانة إلى دائرة الفعل المكلف والمؤثر. لم يرفعوا شعارًا دون أن يدفعوا ثمنه، ولم يطلقوا وعدًا إلا أنجزوه، حتى صار الإسناد اليمني مصطلحًا جديدًا في معجم الصراع مع الصهيوني، عنوانه الصدق، ونتيجته النصر. ومن خلال هذا الإسناد، تحوّلت معركة غزة من مواجهة محلية إلى صراعٍ مفتوحٍ على مستوى المحور كله، تُقاتل فيه صنعاء كما تقاتل غزة، في معركةٍ واحدة اسمها “الفتح الموعود والجهاد المقدس”.
في بيان خلاصة ملحمة، كشفت القواتُ المسلحة اليمنية عن حصاد عامين من الإسناد، بلغة لا تعرف المواربة ولا المجاملة: 758 عملية عسكرية نفذت بمعدل عمليةٍ كل يوم، نصيب القوات البحرية وحدها 346 عملية، استهدفت أكثر من 228 سفينة، منها 25 سفينة إسرائيلية، و73 خرقت الحظر، و29 أمريكية، و13 بريطانية، إضافة إلى 68 اشتباكًا مباشرًا مع القطع البحرية الأمريكية.
وفي سماء المعركة، أسقطت الدفاعات الجوية 22 طائرة استطلاع أمريكية من طراز “إم كيو-9″، وواجهت الطيران المعادي بأكثر من 57 صاروخًا في 40 عملية تصدٍ ناجحة، أجبرت خلالها القاذفات الاستراتيجية للعدو على الانسحاب تحت نيران الدفاع اليمني.
لقد غيّر اليمن البحر الأحمر إلى ساحة سيادة وإسناد، من ميدان مراقبة إلى منطقة نفوذ مشروعٍ بحكم القوة والحق. فقد وظّف اليمن موقعه الجغرافي الاستراتيجي كأداة ضغط في معركة غزة، فحوّل البحر إلى سلاح، بعيدا عن العشوائية والانفعال العابر ، منطلقا من قرار مدروس انطلق من إيمانٍ عميقٍ بأن اليمن دولة محورية في البحر الأحمر، وبأن من حقها أن تفرض سيطرتها على بوابته الجنوبية، دفاعًا عن الأمن القومي للأمة كلها.
بهذا الفهم السيادي، انطلق اليمنيون إلى تحويل البحر الأحمر إلى جبهة مواجهة مفتوحة، فكان الحصار البحري أحد أبرز أسلحة الإسناد الفاعلة. استهدف الجيش اليمني السفن الإسرائيلية، وأغلق عمليًا موانئ فلسطين المحتلة ، وفي مقدمتها ميناء أم الرشراش (إيلات)، الذي توقف بالكامل نتيجة الضربات المتلاحقة، فاضطر العدو وشركات الملاحة العالمية إلى الالتفاف حول رأس الرجاء الصالح، ما أضاف آلاف الأميال إلى خطوط التجارة، ورفع كلفة النقل والتأمين، وضاعف أعباء الكيان الاقتصادية.
لقد ضرب اليمن العصب الاقتصادي للعدو، وأثبت أن قوة صغيرة مؤمنة تستطيع أن تُربك إمبراطورية بحرية عاتية إذا امتلكت الإرادة والإيمان.
مع تصاعد عمليات اليمن، وجد التحالف الغربي نفسه مضطرًا لتحويل جهده العسكري من دعم العدوان إلى حماية السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر. وهكذا انتقلت واشنطن ولندن من موقع المهاجم إلى موقع المدافع، في مشهدٍ يعكس التحول الاستراتيجي الذي فرضه اليمن، فأصبح البحر الأحمر مسرحًا لتشتت الجهود الغربية وتبدد الطاقات.
ومن رحم هذا التشتيت، تنفست غزة الصعداء، وتخفف الضغط عنها جزئيًا، لترتسم أمام العالم خريطة جديدة للردع تقول بوضوح أن المعركة في اليمن وغزة معركة واحدة ضد عدو الأمة المتمثل بالكيان الإسرائيلي.
وتحت ضغط المعركة، تجاوز اليمن حدود المستورد إلى فضاء المصنع والمبتكر، فطوّر قدراته الصاروخية والدفاعية والهجومية، ونجح في إنتاج صواريخ فرط صوتية أربكت العدو وأذهلت المراقبين. وبين كل تجربةٍ ميدانيةٍ وأخرى، كان العقل اليمني يزداد خبرةً، ويتجاوز المنظومات الأمريكية المتقدمة التي صُممت لردع أفتك الأسلحة والتقنيات.
امتد الإسناد الإيماني من الفعل العسكري، إلى الإسناد الشعبي عبر المسيرات الجماهيرية المليونية أسبوعيًا في الساحات والميادين. تلك الجموع التي رفعت رايات فلسطين في صنعاء وصعدة وذمار وتعز والحديدة، ومختلف المحافظات الحرة كانت هي الجدار الشعبي الذي يستند إليه الفعل العسكري، وهي المعين الذي لا ينضب. فمن بين تلك الحناجر المدوية وبيارق المجاهدين، تولد القوة المعنوية التي وحّدت الجبهة اليمنية على قلب واحد، ووجهة واحدة نحو القدس.
هكذا تجاوز اليمن مرحلة الدعم إلى مرحلة التموضع المحوري في معادلة الصراع. من مساند لغزة، إلى ركيزة في محور المقاومة، وفاعلًا أساسيًا في إعادة تعريف النصر والهزيمة. ففي زمنٍ عربيٍّ مثخنٍ بالخذلان، أهدى اليمن للأمة درسًا خالدًا أن الانتصار لا يقتصر على هزيمة العدو، بل أن تعيد للأمة ثقتها بنفسها، وإيمانها بقدرتها على المواجهة. وهذا ما فعله اليمن، إذ حوّل شعار الإسناد لغزة إلى مشروع تحرري شامل، ومن موقفٍ سياسي إلى واقعٍ ميدانيٍ يصوغ معادلة جديدة للمنطقة بأسرها.
موقع انصار الله.