مجزرة الصالة الكبرى.. دماء اليمنيين تشهد على إجرام العدوان
بقلم / شاهر أحمد عمير
في الثامن من أُكتوبر عام 2016، لم تكن صنعاء على موعدٍ مع العزاء وحدَه، بل مع فاجعةٍ تجاوزت حدود الألم، حين تحوّل مجلس عزاء آل الرويشان في الصالة الكبرى إلى ساحةٍ للدم والنار.
في لحظاتٍ معدودة، ارتقى المئاتُ من الشهداء والجرحى، وتحول المكان إلى مشهدٍ يفوق الوصف.
لم يكن هناك مسلحون، ولا جبهة حرب، ولا هدفٌ عسكري، بل رجالٌ ووجهاء ومواطنون جاؤوا لأداء واجبٍ اجتماعي، فوجدوا أنفسهم تحت وابلٍ من الصواريخ والقذائف التي لم تفرّق بين كبيرٍ وصغير، ولا بين مدنيٍ أَو مسؤول.
لقد كانت تلك الجريمة صورةً مصغّرةً لحقيقة العدوان السعوديّ والإماراتي والأمريكي على اليمن؛ عدوانٌ لا يعرف سوى لُغة القتل والتدمير، ولا يفرّق بين الأعراس والعزاءات، ولا بين الجبهات العسكرية ومنازل الأبرياء.
نظامٌ مجرمٌ بكل المقاييس، استخدم ترسانةً من أحدث الأسلحة ليقتل بها شعبًا أعزل، وليجعل من الموت مشهدًا يوميًّا يعيشه اليمنيون في كُـلّ مدينةٍ وقرية.
منذ اليوم الأول للعدوان، لم تكن طائراته تبحثُ عن أهداف عسكرية بقدر ما كانت تستهدف روح الحياة في اليمن.
قصفت الأسواق والمستشفيات، والمدارس والمنازل، وحتى قاعات الأفراح ومجالس العزاء.
كُـلّ ما يعبّر عن الفرح أَو الحزن أَو الحياة كان هدفًا مشروعًا في نظرهم، لأن الهدف الحقيقي لم يكن القضاء على خصمٍ سياسي، بل كسر إرادَة هذا الشعب العظيم وإخضاعه بالإرهاب والدمار.
إن مجزرة الصالة الكبرى ليست مُجَـرّد واقعةٍ عابرةٍ في ذاكرة الحرب، بل هي وثيقة إدانة دامغةٍ للعدوان الذي أدار حربه بعقليةٍ إجراميةٍ لا تعترف بالقيم الإنسانية ولا بالقوانين الدولية.
فكيف يمكن لنظامٍ يدّعي الدفاع عن الشرعية أن يضرب مجلس عزاء يحضره المئات من أبناء اليمن؟ وكيف يمكن لمن يزعم حماية الأمن الإقليمي أن يزرع الخوف والرعب في قلوب المدنيين؟
لقد حاول العدوان التبرير، وتذرّع بالخطأ، لكن كُـلّ الأدلة والشهادات أكّـدت أن النظامين السعوديّ والإماراتي ومعهما الأمريكي متعطشون للإجرام، وأن ما حدث لم يكن سوى حلقةٍ في سلسلةٍ طويلةٍ من الجرائم بحق الشعب اليمني.
فهذه الجريمة لم تكن الأولى ولا الأخيرة، فقد استُهدفت صالات الأفراح والعزاء، وحتى الأماكن المكتظة بالنساء والأطفال، في رسالةٍ تقول إن يد التحالف قادرة على الوصول إلى أي مكان.
غير أن تلك الرسالة انقلبت عليهم، فبعد المجزرة أدرك اليمنيون أن ما يجري ليس حربًا سياسية، بل حرب إبادة تستهدف الوجود اليمني كله، فزادهم ذلك ثباتًا وإيمانًا بعدالة قضيتهم.
ما فعله التحالف السعوديّ والإماراتي والأمريكي في اليمن لم يفعله أي عدوانٍ في التاريخ الحديث، إلا الكيان الإسرائيلي المجرم بحق إخواننا في غزة.
فكلاهما يتشابهان في الوحشية والاستهتار بالإنسان وحقوقه، ويستهدفان الحياة بكل تفاصيلها.
لم يتركوا مجالًا للحياة إلا واستهدفوه: الأطفال في مدارسهم، المرضى في مستشفياتهم، العرسان في أفراحهم، والمعزّون في مجالسهم، جميعهم نالوا نصيبهم من حقد الطائرات التي لا تفرّق بين فرحٍ أَو مأتم.
هذا السلوك لا يصدر عن دولٍ ذات سيادةٍ أَو تحالفٍ يزعم الحفاظ على الاستقرار، بل عن أنظمة متوحشةٍ فقدت إنسانيتها، واعتادت سفك الدماء لتحقيق مكاسبَ سياسيةٍ وماليةٍ لصالح قوى الهيمنة العالمية.
لقد تحوّلت مجزرة الصالة الكبرى إلى شاهدٍ خالدٍ على سقوط الأقنعة، وعلى عجز العالم عن إيقاف آلة القتل التي تموّلها أنظمة النفط وتباركها واشنطن.
العالم الذي يتحدث عن حقوق الإنسان اكتفى ببيانات الإدانة، بينما استمرت الطائرات نفسها في قصف الأعراس في حجّـة وصعدة وذمار، وكأن القاتل لا يخشى العقاب ولا يعرف الرحمة.
رحم الله شهداء الصالة الكبرى من ارتقوا في تلك الفاجعة.
دماؤهم ليست مُجَـرّد مأساةٍ في الذاكرة، بل عهدٌ على كُـلّ يمنيٍ أن يواصل الصمود حتى تتحقّق العدالة، وحتى يعلم المعتدي أن الدمَ لا يُمحى بالزمن، وأن العدالة -وإن تأخرت- آتيةٌ لا محالة.
إن النظام السعوديّ والإماراتي والأمريكي الذي ارتكب هذه الجريمة وغيرها من الجرائم في اليمن، أثبت أنه عدوٌّ للإنسانية جمعاء، لا يعترف بقيم الدين ولا بأخلاق الحرب.
استهداف العزاءات والأفراح دليلٌ قاطعٌ على سقوطه الأخلاقي والسياسي، وعلى أنه لا يملك مشروعًا سوى الخراب.
ومع ذلك، فإن هذا الشعب الذي صمد أمام الطائرات والصواريخ، ما يزال يقف شامخًا مؤمنًا بأن النصر وعدٌ إلهيٌّ لا مفرّ منه، وأن دماء الشهداء ستثمر حريةً وكرامةً وانتصارًا يليق بعظمة اليمن وأبنائه، وبأن المعتدي سيتذوق مرارة الهزيمة مهما طال الزمن.