تطبيع الظلال .. موقف النظام السعودي من حرب الإبادة في غزة ومسارات الدعم المباشر للعدو الإسرائيلي
في خضم واحدة من أكثر الفصول دموية في تاريخ العدوان الإسرائيلي على غزة، وبينما كانت الأنقاض تُنذر بانهيار ما تبقى من حلم فلسطيني بالحياة، ساد صمت عربي ثقيل على غير العادة، إلا أن ذلك الصمت في حالة المملكة العربية السعودية لم يكن مجرد غياب للخطاب، بل في نظر مراقبين حمل دلالات سياسية عميقة، تُعبّر عن تحوُّل جذري في موقع المملكة من الصراع العربي الإسرائيلي.
لقد بات من المؤكد حسب التصريحات الرسمية، والتقارير الإعلامية، والممارسات الداخلية، أن السعودية بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان تمضي فعليًا، وإن كان بحذر، نحو نقطة اللاعودة في علاقاتها مع الكيان الإسرائيلي، لتفتح أبواب التطبيع العلني بعد سنوات من التنسيق غير المُعلن.
صمت رسمي أمام مجازر غزة .. وإخماد أي صوت شعبي متضامن
رغم شراسة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وارتفاع أعداد الشهداء المدنيين بينهم نساء وأطفال، لم يصدر عن المملكة السعودية إلا مواقف مقتضبة، دبلوماسية، خالية من أي لهجة تصعيدية أو اتهامية مباشرة للعدو الإسرائيلي، مقارنة بمواقف عربية أقل تأثيرًا إقليميًا، لكنها أكثر وضوحًا في موقفها من الاحتلال.
المثير للجدل هو أن هذا الصمت السياسي توازى مع قمع داخلي لأي تعبير شعبي عن التضامن مع الفلسطينيين، تقارير متعددة بينها شهادات من زوار الحرم المكي والمدني، أكدت أن السلطات السعودية اعتقلت عددًا من الأشخاص لمجرد ارتدائهم الكوفية الفلسطينية، أو دعائهم لغزة، في مشهد يعكس انتقالًا من الحياد إلى التضييق المنهجي على كل ما يعارض العدو الإسرائيلي أو يدعم المقاومة.
وقد أفادت تقارير حقوقية عن اعتقالات طالت مقيمين فلسطينيين وناشطين عرب في السعودية، دون تهم واضحة، بينما يشير بعض المطلعين إلى أن السبب الحقيقي، هو مواقفهم المعارضة للتطبيع، أو مجرد ارتباطهم الرمزي بالقضية الفلسطينية.
تصريحات محمد بن سلمان .. كل يوم نقترب من التطبيع
من أكثر التصريحات إثارة للانتباه في هذا السياق، ما جاء على لسان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مقابلة مع قناة فوكس نيوز الأمريكية، حيث قال حرفيًا: كل يوم نقترب أكثر من التطبيع مع إسرائيل، ونعمل على ذلك .
هذه التصريحات لم تكن مجرد رأي شخصي، بل تعكس تحولًا جوهريًا في السياسة السعودية، وتؤكد وجود مفاوضات حثيثة تُدار خلف الكواليس مع كل من الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي.
ما يثير التساؤلات هو أن هذا “الاقتراب” المعلن جاء في وقت كان فيه الاحتلال الإسرائيلي يرتكب مجازر موثقة في غزة، ما يعني أن السعودية على الأقل على المستوى الرسمي، تفصل تمامًا بين العدوان على الفلسطينيين وبين علاقاتها مع العدو الإسرئيلي
كما ألمح ابن سلمان إلى أن، المشكلة الفلسطينية يجب أن تُحل،، لكنه لم يضعها كشرط مطلق، بل كأحد عوامل التقدم نحو الاتفاق، بل كان مجرد تلميع للموقف للهروب من أي إثارة إعلامية لموقفه المعلن ، في تناقض صارخ مع المواقف السابقة للمملكة التي كانت تدعم على أقل تقدير قيام دولة فلسطينية مستقلة، والتي اتضح أنها لم تكن سوى شعارات تخفي خلفها صهيونية الهوى والهوية للنظام السعودي.
حملة قمع وتضييق على التحركات الشعبية المناصرة لفلسطين
في الداخل السعودي، كشفت المرحلة الأخيرة عن تحولات أمنية خطيرة في التعاطي مع النشطاء والرموز الذين يعبرون عن مواقف داعمة للمقاومة الفلسطينية.
فقد منع النظام السعودي أي وقفات أو تجمعات تضامنية مع غزة، حتى في الأماكن الخاصة، وسط تحذيرات أمنية من مغبة استغلال القضية سياسيًا، كما قيل رسميًا.
وأفادت تقارير باعتقال أئمة وعلماء، سعوديين ومن جنسيات عربية، بعد دعائهم لغزة وأبناء غزة في المساجد، خاصة في مكة والمدينة، ومنهم أئمة من الجزائر وتركيا وسوريا، اعتُقلوا بسبب ما وُصف بالتجاوز في الخطب
وعلى مدار سنوات اعتقل النظام السعودي العديد من قيادات وكوادر حماس ولا يزال غالبيتهم في المعتقلات إلى هذه اللحظة
كما جرى تحييد الإعلام الرسمي بالكامل عن أي تغطية إنسانية معمقة لمآسي غزة، وبرزت نبرة إعلامية تتبنى الرواية الصهيونية الغربية حول الإرهاب والتطرف الفلسطيني، في تشويه واضح لصورة المقاومة الفلسطينية .
الإعلام السعودي من التضامن إلى التشويه
شهد الخطاب الإعلامي في السعودية تحولًا لافتًا في السنوات الأخيرة، وتحديدًا بعد صعود محمد بن سلمان، حيث باتت وسائل الإعلام الكبرى تتناول القضية الفلسطينية من زاوية الاعتدال والتسامح وحل الدولتين، لكنها تبتعد عن مصطلحات مثل المقاومة، الاحتلال، أو الكفاح المسلح.
كما لوحظ أن بعض المنصات الإعلامية المرتبطة بالحكومة بدأت في تشويه صورة المقاومة الفلسطينية، خصوصًا حركة حماس، وربطها بالإخوان المسلمين والإرهاب والولاء لإيران، في سياق سردي يخدم خطاب العدو الإسرائيلي أكثر مما يخدم الموقف العربي التقليدي.
هذا التحول يعكس بحسب محللين تهيئة الرأي العام الداخلي لتقبُّل فكرة التطبيع العلني مع العدو الإسرائيلي، وتحويل القضية الفلسطينية إلى مجرد ملف إنساني يحتاج حلًا تفاوضيًا، بدلًا من أن تكون معركة تحرر وطني.
تطبيع مقابل النفوذ .. صفقة كبرى تتبلور
في خلفية المشهد، تدور مفاوضات متعددة الأطراف بين السعودية، الولايات المتحدة، وكيان الاحتلال الإسرائيلي، حول تطبيع شامل يتضمن شروطًا استراتيجية، منها ضمانات أمنية أمريكية للسعودية، على غرار حلف الناتو، وبرنامج نووي مدني سعودي بإشراف دولي، ومكاسب اقتصادية وتكنولوجية من التعاون مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، مع أن كل تلك الطموحات والآمال السعودية في حكم المستحيلة ،
التواطؤ السعودي مع كيان الاحتلال الإسرائيلي ، لا يتطلب إعلانًا رسميًا أو توقيع اتفاق، بل يكفي أن تتقاطع السياسات والمواقف بشكل يدعم طرفًا على حساب آخر.
وبهذا المعنى، فإن الموقف السعودي من العدوان على غزة، بالتزامن مع التصريحات التطبيعية الواضحة ، والقمع الداخلي، والتحولات الإعلامية، يشكل تواطؤًا فعليًا معلنًا مع العدو الإسرائيلي،
قد لا يكون النظام السعودي قد وقع اتفاقية تطبيع رسمية، لكن خطواتها العملية، والتصريحات الرسمية، وسياساتها الداخلية، كلها تشير إلى أن القرار قد اتُخذ ولم يتبقَ إلا الإعلان.
وفي ضوء ذلك، تبقى فلسطين وشعبها في قلب معركة لا تُخاض فقط مع المحتل المباشر، بل أيضًا مع أنظمة عربية قررت أن مصالحها الإقليمية تمر من بوابة استرضاء العدو الإسرائيلي .
المصدر/ موقع يمانيون.