تصحيح المسار .. خطاب مفصلي للسيد القائد في أخطر منعطف تاريخي للثورة المجيدة
في سياق التحولات العميقة التي شهدتها الساحة اليمنية منذ انطلاق ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر المجيدة، يبرز خطاب السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله المعروف بخطاب تصحيح المسار، بوصفه إحدى اللحظات التاريخية الحاسمة التي أعادت ضبط البوصلة الوطنية، في ظل مؤامرات داخلية وخارجية هدفت إلى إفشال مكتسبات الثورة والالتفاف على أهدافها المشروعة.
تقرير / طارق الحمامي
جاء الخطاب في مرحلة مفصلية من الثورة، وبعد مرور أربعة أشهر على تعمد الالتفاف على تنفيذ اتفاق السلم والشراكة الوطنية، ذلك الاتفاق الذي عُدّ إنجازًا سياسيًا غير مسبوق فتح الباب أمام بناء دولة الشراكة والتوافق، وإنهاء عقود من التسلط والإقصاء والفساد، لكن بدلاً من أن تُفضي هذه الاتفاقية إلى مرحلة استقرار سياسي ومؤسسي، واجهت تعثرًا كبيرًا بسبب مماطلة القوى السياسية وتواطؤ بعض أجنحة السلطة وعلى رأسها رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي، في تنفيذ بنودها الجوهرية.
الخطاب لم يكن مجرد ردّ فعل على تطورات سياسية، بل كان تجديدًا لميثاق الثورة، وتحذيرًا استباقيًا من خطورة الانحراف عن المسار الوطني، ونداءً صريحًا للعودة إلى الأسس التي قامت عليها ثورة 21 سبتمبر، والتي تمثلت في محاربة الفساد، وإنهاء الاستبداد، وبناء دولة عادلة على قاعدة الشراكة الحقيقية.
يتناول هذا التقرير الصحفي تحليلًا لمضامين هذا الخطاب التاريخي، وأبعاده السياسية والاستراتيجية، والدلالات التي حملها، في ظل تصاعد التهديدات الأمنية، وتواطؤ السلطة مع جماعات إرهابية كتنظيم القاعدة، ومحاولات إغراق الوطن في الفوضى.
كما يستعرض التقرير المطالب الأربعة التي لخّص فيها السيد القائد جوهر الموقف الشعبي، ودعوة الشعب اليمني للتحرك الشعبي الواسع، لمواجهة التحديات، وإسقاط المؤامرة، وتصحيح مسار الثورة.
إن أهمية هذا الخطاب تنبع من كونه وثيقة سياسية توجيهية، ونداء وطني جامع، يمثل أحد أبرز محطات الصراع بين مشروع الهيمنة الخارجية وأدواتها في الداخل، وبين إرادة الشعب اليمني الحر في بناء دولته المستقلة على قاعدة السيادة والشراكة.
تعثّرات مفتعلة ومواقف متخاذلة
اتفاق السلم والشراكة، الذي جاء كثمرة نضال شعبي عارم ومطالب ملحّة بإنهاء الفساد والاستبداد، كان من المفترض أن يشكل مدخلًا فعليًا لبناء الدولة الحديثة عبر شراكة وطنية حقيقية، إلا أن ما حدث كان عكس ذلك تمامًا.
فقد أشار السيد القائد في خطابه إلى أن رئيس الجمهورية آنذاك، عبد ربه منصور هادي، ومعه القوى السياسية المتنفذة، كانوا سببًا رئيسيًا في إفشال الاتفاق عبر المماطلة، والتعطيل، ومحاولة الالتفاف على بنوده وتحركوا في مسار مضاد لكل مضامين الاتفاق وما نصت عليه أيضاً وثيقة الحوار الوطني .
الوضع الاستثنائي وتحذيرات السيد القائد
أبرز السيد القائد يحفظه الله في خطابه خطورة الوضع الاستثنائي الذي تمر به البلاد، حيث تتعاظم المخاطر وتتشابك المؤامرات وسط تعاطٍ غير مسؤول من السلطة السياسية، والتي استمرت في تجميد العمل بمخرجات الحوار الوطني، بدلًا من تفعيلها وترجمتها إلى خطوات عملية.
وقد أكد السيد القائد أن ثورة 21 سبتمبر المجيدة هي التي فتحت الباب أمام تنفيذ هذه المخرجات، لكن القوى السياسية لم تتعامل معها كفرصة بصدق أو جدية، بل على العكس، زادت من فسادها واستبدادها، ودفعت البلاد إلى شفير الانهيار.
التحذير من التواطؤ مع القاعدة وتهديد الأمن
ومن أخطر ما كشف عنه الخطاب، هو التواطؤ الواضح بين بعض أطراف السلطة وجماعات القاعدة، حيث أشار السيد القائد إلى أن السلطة لم تكتفِ بعدم مواجهة هذا التنظيم الإرهابي، بل قامت بتسهيل تحركاته، وتهريب السلاح إليه، وتوفير الغطاء السياسي له، وتمكينه من أسلحة الجيش.
وقد اعتبر السيد القائد هذا التواطؤ محاولة انقلابية صريحة على الثورة الشعبية، ومحاولة لإغراق البلاد في الفوضى، عبر تمكين الإرهاب من الانتشار في المحافظات، وخلق حالة من الرعب الشعبي والانفلات الأمني.
نصيحة مباشرة للرئيس
في لهجة حريصة لكنها حازمة، وجّه السيد القائد نصيحة مباشرة إلى الرئيس، ودعاه فيها إلى أن لا يخضع للإملاءات الخارجية ولا يكون أداة في يد المتآمرين في الداخل، بل أن يتحمل مسؤوليته التاريخية ويسير في اتجاه تنفيذ اتفاق السلم والشراكة، الذي وصفه السيد القائد بأنه “طريق الخلاص الوحيد من الاستبداد والفساد”.
كما أكد أن الشراكة الوطنية ليست ترفًا سياسيًا، بل استحقاق ضروري ومُلزم، ولن يكتب للبلاد النجاة دون الالتزام الجاد والصادق بتنفيذها.
مطالب أربعة تمثل جوهر المطالب الشعبية
في ختام خطابه، لخّص السيد القائد المطالب الشعبية الجوهرية في أربعة محاور رئيسية تمثل خارطة طريق للخروج من الأزمة:
1. تصحيح وضع الهيئة الوطنية وذلك قبل الشروع في أي خطوات تنفيذية لتعديل مسودة الدستور، التزامًا بما نص عليه اتفاق السلم والشراكة.
2. تهذيب مسودة الدستور بحذف المخالفات الدستورية وإضافة ما سقط منها، بما يضمن توافقية الوثيقة واستيعابها لمطالب الشعب.
3. الإسراع في تنفيذ الشراكة الوطنية، مؤكدًا أن الشراكة أمرٌ لا مفر منه “شاء من شاء وأبى من أبى”، مهما انزعجت من هذا الاستحقاق الأطراف الخارجية أو الداخلية ، لأنها ضرورة وطنية ملحة.
4. التحرك الفوري لمعالجة الوضع الأمني الخطير، والتصدي للمخاطر التي تهدد أمن واستقرار الوطن.
دعوة لتحرك شعبي ثوري واسع
لم يقف الخطاب عند حدود التحليل السياسي أو التشخيص للأزمة، بل كان خطابًا تعبويًا تحفيزيًا، حيث دعا السيد القائد أبناء الشعب اليمني إلى مواكبة تحركات اللجان الشعبية عبر الزخم الجماهيري، سواء بالتظاهرات أو المسيرات أو التجمعات القبلية.
وأكد أن صوت الشعب هو السلاح الأقوى في مواجهة المؤامرة، وأن هذا الصوت يجب أن يُسمع في الداخل والخارج على حد سواء.
خاتمة .. خطاب في لحظة مفصلية
إن خطاب السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله، لم يكن خطابًا عابرًا في زمن الأزمة، بل وثيقة سياسية تاريخية تعكس وعيًا عميقًا بتعقيدات المرحلة، وقدرة فائقة على تشخيص المشكلات وتقديم الحلول الواقعية لها.
لقد وضع الخطاب الجميع أمام مسؤولياتهم، ورسم خارطة طريق لإنقاذ البلاد من الانهيار، مؤكدًا أن تصحيح المسار ليس خيارًا بل ضرورة، وأن إرادة الشعب ستبقى حية، متقدمة، قادرة على إجهاض كل المؤامرات.