ثورة 21 سبتمبر .. مفاجأة الاستقرار التي أربكت خصومها


عندما اندلعت ثورة 21 سبتمبر 2014 المجيدة، كانت الأنظار تترقب مشهداً مألوفاً لدى كثير من دول “الربيع العربي”، فوضى شاملة، انفلات أمني، مؤسسات تنهار واحدة تلو الأخرى، وسيناريو مفتوح على كل الاحتمالات الكارثية، هكذا كانت حسابات خصوم الثورة، ممن راهنوا على أن سقوط النظام القائم في صنعاء حينها سيخلق فراغًا أمنيًا لا يمكن ملؤه، وسيفتح الباب أمام اقتتال داخلي وانهيار شامل، لكن ما حدث على الأرض كان نقيضًا تامًا لهذا السيناريو.

تحوّل حضاري .. مفارقة أربكت الجميع

ما بعد 21 سبتمبر، كان سكان العاصمة صنعاء على موعد يومي مع مشهد هادئ غير مألوف، مؤسسات الدولة ما زالت قائمة، مقرات الوزارات مؤمّنة، والمرافق الحيوية من مطار إلى بنك مركزي ما تزال تعمل بانضباط، في وقت لعبت فيه اللجان الشعبية دورًا محوريًا في ضبط الأمن وتأمين تلك المنشآت، وسط غياب شبه كامل لمظاهر الانهيار المتوقع.

وقد مثّل هذا التحول صدمة لخصوم الثورة، خاصة في الخارج، ممن كانوا يعدّون بيانات “القلق البالغ” ويجهّزون سيناريوهات التدخل الإنساني بحجّة “الفوضى”، لكن المشهد تجاوزهم، واستقرت موازين الأحداث لمصلحة الثورة المجيدة.

 

دور القيادة الثورية .. قراءة مختلفة لمعنى السلطة

بعيدًا عن لغة الشعارات، كشفت الثورة عن قيادة منظمة كانت تحمل رؤية واضحة لإدارة المرحلة الانتقالية، القيادة الثورية التي أدارها السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي بحكمة واقتدار، لم تسعَ إلى تقويض مؤسسات الدولة، بل ركّزت على الحفاظ عليها ومنع انزلاق البلاد إلى مصير مشابه لما حصل في ليبيا أو سوريا.

وقد برزت استراتيجية محكمة تمثلت في عدم اقتحام مقرات السفارات أو الهيئات الدبلوماسية، تأمين الوزارات وتسيير عملها الإداري بشكل طبيعي، ومنع أعمال النهب أو الثأر، في سلوك منضبط أذهل كثيرين، وكذلك التنسيق مع القيادات الإدارية والمؤسسية لضمان استمرارية الخدمات.

اللجان الشعبية .. الأمن أولاً

اللجان الشعبية، التي ظهرت كقوة منظمة ومنضبطة، شكّلت ذراع الثورة في الميدان، وتحوّلت بسرعة إلى عنصر فاعل في المعادلة الأمنية، وبدلاً من أن تشكل تهديدًا للمواطنين أو للممتلكات العامة والخاصة، ساهمت في استتباب الأمن، وهو ما أشاد به كثير من سكان العاصمة، خاصة في الأحياء التي كانت تشهد انفلاتًا في السابق.

 

خصوم الثورة .. حسابات خاطئة وانكشاف سياسي

المفاجأة الاستراتيجية التي حملتها ثورة 21 سبتمبر لم تكن في إسقاط حكومة أو تغيير واجهات سياسية فقط، بل في قدرتها على الإمساك بزمام الأمور دون الدخول في دوامة الفوضى، وهو ما أفقد خصومها أهم أوراق الضغط.

الرهان على “الفراغ السلطوي” فشل، وكذلك الرهان على “انقلاب دموي”، لتبدأ بعد ذلك مرحلة من الهجوم السياسي والإعلامي الذي حاول تشويه الثورة، متهمًا إياها بـ”الانقلاب”، رغم أن الشارع يعيش واحدة من أكثر فترات الاستقرار الأمني في تاريخه الحديث.

 

ثقة شعبية متصاعدة

النجاح الأمني والإداري السريع خلق موجة من الثقة الشعبية بالقيادة الجديدة، حيث بات المواطنون يرون في الثورة مشروعًا إنقاذيًا لا تخريبيًا، لا سيما بعد سنوات من فساد ممنهج وفشل سياسي ذريع من الحكومات السابقة، وقد تعززت هذه الثقة مع الخطوات التي اتخذتها القوى الثورية لاحقًا، ومنها محاربة الفساد الإداري في بعض المؤسسات، وفتح ملفات طالما ظلت محرّمة في عهد النظام السابق، والدعوة إلى شراكة وطنية تضم مختلف المكونات.

خاتمة 

بعد مرور 11 عاماً على ثورة 21 سبتمبر، تظل تلك اللحظة مفصلية في تاريخ اليمن الحديث، لا فقط لما أحدثته من تغيير سياسي، بل لما أثبتته من أن الثورات يمكن أن تكون منظمة وواعية ومسؤولة، المفاجأة التي أذهلت الداخل والخارج كانت درسًا في أن المعادلات لا تُكتب فقط في غرف التحليل، بل على الأرض، حيث تقرر الشعوب مسارها، أياً كانت رهانات الخصوم.


موقع يمانيون