لماذا يُضيء المولد النبوي قلوبنا؟


كتب/ بشير ربيع الصانع

في كل عام، عندما يحل شهر ربيع الأول، تتجدد القلوب في اليمن بنسيم المولد النبوي الشريف، وتتعطر الأنفاس بذكرى ميلاد من أرسله الله رحمة للعالمين، النبي محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-. يستقبل اليمنيون هذا اليوم العظيم بمشاعر تتجاوز الكلمات، فرحة تغمر النفوس وبهجة تفيض من القلوب، فتعلو الأصوات بالتسبيح والدعاء، ويتعانق الإيمان مع الفرح في أجواء روحانية تنبض بالحياة. من اللحظة الأولى لإعلان قدوم هذه المناسبة، تتحرك النفوس نحو الإعداد والتحضير، فتتلألأ الشوارع وتزين البيوت، وتُرفع الرايات الخضراء، بينما تتعالى أصوات الأناشيد والمدائح التي تأخذ المستمع إلى عالم من المشاعر الإنسانية النقية، عالم تتجلى فيه عظمة النبي محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- في كل قول وفعل وجهاد.

يحرص اليمنيون على التعبئة الثقافية التوعوية خلال هذه الأيام، فيُحيون المساجد والمدارس بحلقات العلم والذكر، ويُقرأ القرآن الكريم، وتُروى قصص السيرة العطرة للنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-، فتتفتح النفوس على معاني الرحمة والعدل والصدق والتسامح، وتغدو العقول متعطشة للفهم العميق للسلوك النبوي. بهذا، يُربط الأطفال والشباب مباشرة بالنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-، فتظل حياتهم متصلة بالقدوة الحقيقية، بعيدًا عن قدوات مبتكرة أو مزيفة، ويظل القلب نابضًا بالمحبة والوفاء، كما أمر الله عباده بالاقتداء بالرسول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}.

يتجاوز الاحتفال حدود الفرد أو الأسرة ليصل إلى مستوى اجتماعي وروحي جماعي، فالمولد النبوي الشريف يعزز الوحدة بين المسلمين، ويجعل الناس جميعًا يتقاسمون الفرح والسرور في لحظات من التلاحم والتآزر، وتتجلى معاني التكافل الاجتماعي في أبهى صورها، فهو يعبر عن التعاون والمودة والرحمة بين الناس، ويجعل المجتمع كله يعيش لحظة من الإحساس المتبادل بالوفاء والاهتمام بالآخرين. وفي الساحات العامة، تتحول الاحتفالات إلى ميادين عامرة بالحياة، يحتشد فيها الملايين من اليمنيين، رجالًا ونساءً وأطفالًا، يرفعون أصواتهم بالحمد والثناء، مستشعرين عظمة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-، وكأن الحياة كلها تتوقف لحظة لتشهد على الحضور المستمر للرسول في كل جوانب حياتهم، من عمل وسلوك وأخلاق وقيم وجهاد، كما قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}.

المولد النبوي الشريف يحمل بعدًا عالميًّا أيضًا؛ إذ يشد أنظار كل من يراه، فيعكس صورة مشرقة عن اليمن وأهلها، وعن الأمة الإسلامية التي لم تنس نبيها ولم تنقطع عن السير على نهجه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-. يظهر للعالم أن النبي محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- حاضر في كل لحظة من حياتنا، ليس كرمز ديني فقط، بل كقدوة حية توجه الأعمال والأقوال، وتغرس في النفوس القيم الإنسانية العليا، وتثبت أن الحياة على نهجه هي حياة الحق والعدل والإحسان والإنسانية.

كما يحمل الاحتفال معنى روحيًّا عميقًا، فهو حمد لله وشكر على نعمة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-، وعلى الرسالة التي أنار الله بها الكون، وجعل البشرية تتلمس سبيل الخير والهداية، كما قال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}. وفي كل دعاء وتسابيح وصلوات تُرفع على النبي محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-، تعم النفوس مشاعر الامتنان والوفاء، فتغدو القلوب أكثر خشوعًا وأصدق ارتباطًا بالرسالة النبوية، ويشعر اليمنيون جميعًا بأن حضور النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- في حياتهم ليس شعورًا فقط، بل هو واقع حي يوجه كل خطوة، ويثري كل فعل، ويشكل منهجًا للحياة اليومية.

تجعل هذه الاحتفالات المولد النبوي موسمًا لتجديد العهد بالقيم الأخلاقية والإنسانية، فتتعلم النفوس معنى الصدق والأمانة والتسامح والوفاء، وتُذكر أن السير على نهج النبي محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- هو السبيل إلى الرشاد والخير، وأن حضوره في التاريخ والحاضر معًا دليل على أن الرسالة التي جاء بها لا تزال حية ومؤثرة، وأن اتباعها طريق للنور والنجاة في الدنيا والآخرة.

إن استقبال اليمنيين لهذه المناسبة يعكس أعمق معاني الحب والولاء للنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-، ويجعل المولد مناسبة يتجدد فيها الفرح والسرور، وتزهر النفوس بالخير والمحبة والوفاء، مؤكدًا أن النبي محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- حي في القلوب، حاضر في الأعمال، ومعلم في السلوك، ومثال خالد للإنسانية جمعاء.