عقوبات سعودية على… الحريري

201439_0
بقلم / ميسم رزق
ممنوع «الاجتهاد» في مقابل «النص» السعودي، حتى ولو كان «المجتهد» سعد الحريري. «مملكة الخير» تريد من الجميع الاصطفاف في حربها ضد حزب الله، ومن يتخلّف عن الركب عليه الاستعداد لتحمّل العواقب.

لم يعُد للرئيس سعد الحريري في المملكة العربية السعودية ما كان له سابقاً. يكاد رئيس تيار المستقبل يتحوّل من حليف أساسي للرياض الى «عبء» على ما يروّج له البعض في البلاط السعودي.

آل سعود فقدوا «حكمتهم» التي طالما تغنّى بها مريدوهم، وبدأوا بإطلاق النار على لبنان في كل الاتجاهات، بما فيها «وكيلهم السياسي» سعد الحريري، والأسباب كثيرة: كل «الاستثمار» السعودي في لبنان في السنوات العشر الماضية لم يدرّ «عائدات» تذكر: لم يتمكّن الحريري من انتزاع أي تنازل من حزب الله، لا في زمن التظاهرات «المليونية» ولا في زمن المحكمة الدولية، ولا في الحكومة ولا في الحوار.
اعتادت المملكة معاقبة كل من يخالف توجيهاتها. ولأن الطبع يغلب التطبّع، لم تستطع أن «تهضم» الموقف المرتبك والمتردد لرئيس تيار المستقبل، بسبب ظروفه الموضوعية، حيال تصنيف المملكة ومعها الدول الخليجية حزب الله في خانة «التنظيمات الإرهابية»، فاتخذت قرارها بمحاصرته والضغط عليه من أضعف خاصرة عنده: «رئته» المالية «سعودي أوجيه». صحيفة «عكاظ» السعودية أشارت أمس الى أن «المملكة اتخذت إجراءات لمحاسبة شركة سعودي أوجيه المملوكة من سعد الحريري، لتأخّرها منذ أشهر في دفع رواتب الآلاف من موظفيها». ونقلت عن مصدر مسؤول في وزارة العمل «تشكيل لجنة لحل مشكلة تأخر رواتب الموظفين، بعد شكاوى العديد منهم من تأخر الشركة في دفع الرواتب منذ أربعة أشهر»، ما دفع بالوزارة إلى «قطع عدد من الخدمات عن الشركة، على رأسها خدمات التأمينات الاجتماعية، وخدمات المديرية العامة للجوازات». وليست هي المرة الأولى التي تفوح فيها رائحة «أوجيه» وأزمتها المالية المستمرة منذ سنوات. فقد نشرت صحيفة «لوموند» الفرنسية أخيراً تقريراً يتحدّث عن «56 ألف موظف في الشركة، بينهم فرنسيون، لم يتقاضوا رواتبهم منذ خمسة أشهر». وكشفت أن السفير الفرنسي في الرياض «تدخل» وبعث برسالة الى الحريري.
المعلومات المتداولة حول الأزمة المستجدة تشير الى أن «المدير العام للشركة كان قد وعد الموظفين، في مذكرة داخلية الشهر الماضي، بصرف مرتب شهر، والمستحقات المتأخرة على دفعات شهرية، لكنه لم يف بوعده». وبرر هذا التأخير بتأثر ميزانية الدولة بفعل التراجع الحاد في أسعار النفط عالمياً، أو عدم حصول الشركة على مخصصات حكومية. وفي معلومات أخرى أن «الحكومة السعودية بدأت باتخاذ عدد من التدابير للتكيّف مع انخفاض الإيرادات نتيجة هبوط أسعار النفط، كان أبرزها خفض الإنفاق الحكومي بهدف السيطرة على عجز الموازنة، وأحدث ذلك ضغوطاً على شركات الإنشاءات في المملكة، ومنها شركة الحريري، مع تلقّيها أموالاً أقل من الحكومة، ما أدى في بعض الحالات إلى تأخر دفع أجور آلاف العاملين الأجانب لبضعة أشهر».
ولأن كل شيء في السعودية يتحرك بـ»فعل فاعل»، يحار مستقبليون بارزون، ومقرّبون من الرئيس الحريري، في تشخيص إجراءات المملكة وما إذا كان لها علاقة بالتصعيد السعودي ضد لبنان. المؤكد بالنسبة الى هؤلاء أن «الإجراءات السعودية بحق الشركة موجّهة في الدرجة الأولى إلى الرئيس الحريري نفسه». ويكشف هؤلاء أن «زيارة الـ24 ساعة التي قام بها الحريري للرياض أخيراً، كانت تتعلق بقضايا مالية، حيث نقل مسؤولون سعوديون اليه هذا الجوّ ومهّدوا له». وهم يعزون «الضربة» السعودية الجديدة إلى «عدم رضى الأمراء الجدد عن السياسة التي يتبعها الحريري منذ عودته إلى لبنان، ونتيجة عدم قدرته على مواكبة حملة الرياض على حزب الله، وعدم استعداده لترجمة القرار السعودي على الساحة الداخلية». ولذا «ارتأت» المملكة «الضغط عليه مالياً»، بعدما «هدّدته» سياسياً، عبر مقالات نشرتها وسائل إعلام مقرّبة من نظام آل سعود. ويرى مراقبون في هذا المشهد «انتقاماً ممنهجاً من الرئيس الحريري» الذي «تخلف عن الأمر السعودي بأن يكون رأس حربة في المواجهة مع حزب الله»، بل سعى إلى «تعديل الوضع القائم، معوّلاً على التدخل الفرنسي والأميركي لإجبار المملكة على التراجع». كذلك فإنه «يحاول التمايز عن الموقف المتشدّد للمملكة، لأنه لا يزال يضع رئاسة الحكومة في ظل أي تسوية نصب عينيه».
وتلفت المصادر المستقبلية الى أن «موضوع تأخر الرواتب ليس بجديد»، مشيرة الى أن «المعلومات التي وصلت من الإدارة المالية أكدت أن الأزمة آخذة نحو الانحسار، وأنه كان من المقرر أن يبدأ الحريري منذ نهاية الشهر الجاري دفع الراتب المستحقة، إضافة إلى دفع راتب شهر متأخر، على أن يسدد خلال خمسة أو ستّة أشهر كل الديون». ولكن، بحسب المصادر نفسها، «السعودية اليوم هي غيرها ما كانت عليه أيام الملك عبدلله الذي كان يوفر الغطاء الكامل للحريري، ويمنع نبش ملفات هذه الشركة». ويريد المعنيون في النظام السعودي الجديد أن يقولوا للحريري إن هناك «حدوداً للتصرف ترسمها المملكة ولا يصحّ تجاوزها والاجتهاد في مقابلها»!
• ميسم رزق – الاخبار