بنيوية الرؤية الروسية في تعاملاتها السياسية و الإقتصادية مع أمريكا في الآونة الأخيرة

 
كتب / محمد الحاكم
في أول رد فعل روسي رسمي أعلى حول قيام الولايات المتحدة الأمريكية يوم أمس من اتخاذ قرار طرد خمسة وثلاثون دبلوماسيآ روسيآ ، يعملون بالسفارة الروسية في واشنطن والقنصلية في سان فرانسيسكو ، و اعطائهم مهلة 72ساعة لمغادرة البلاد , مع معاقبة مؤسستين روسيتين بإغلاقهما وغير ذلك من الإجراءات تأتي تصريحات الرئيس الروسي ” فلاديمير بوتين ” معاكسة تمامآ للإجراءات الأمريكية , حيث حدد بوتين رؤيته السياسية تلك بقوله( إننا لن نخلق مشاكل للدبلوماسيين الأمريكيين ، ولن نطرد أي دبلوماسي) .

مضيفآ بأنه ( يعتبر الخطوات الأخيرة غير الودية من جانب الإدارة الأمريكية المنتهية ولايتها استفزازية وتهدف إلى تقويض العلاقات الروسية الأمريكية بشكل أكثر) ومؤكدآ في ذات الوقت الى أنه ( لن يمنع عائلات وأطفال الدبلوماسيين الأمريكيين من استخدام أماكن الترفيه خلال عطلات الإحتفال بالعام الجديد(

واستطرد بوتين بالقول ( سوف نتخذ مزيدا من الخطوات لاستعادة العلاقات الروسية الأمريكية على أساس السياسة التي تطبقها إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب بعد تنصيبه.)
و السؤال …. لماذا لم يلجئ بوتين الى إتخاذ قرار المعاملة بالمثل , وماهي الأسس و المعايير التي تنتهجها روسيا في هذه الفترة في علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية ..؟؟
صحيح أن اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية الموقعة عام 1961،قد منحت الحصانة للدبلوماسيين الأجانب في الدول التي يتواجدون فيها , و التي أيضآ منحت الدول حق طرد دبلوماسيين أجانب من أراضيها في حال رغبت في ذلك، و كذا حق إعلان أي دبلوماسي أجنبي شخصا غير مرغوب فيه ، والذي يستوجب على بلاده في تلك الحالة سحبه خلال يوم واحد من تاريخ الإعلان , إلا أنني أعتقد إن إحجامة في إتخاذ مثل تلك الخطوة يعود الى طبيعة الإلتزام بالمنهجية السياسية و الإقتصادية التي تعتمد عليها القيادة الروسية في تعاملاتها مع مختلف الأوضاع و العلاقات الدولية المختلفة خاصة تلك التي تم الإتفاق عليها مع الولايات المتحدة الأمريكية عقب الحرب الباردة و بالذات في مطلع القرن الواحد و العشرين , التي يمكننا إيضاحها في ما يلي :-
من الناحية السياسية , تنتهج السياسة الروسية حاليآ مبداء الأولوية في وجوب مكافحة الإرهاب و تنظيماته الإرهابية على مستوى العالم بشكل عام , وعلى المستوى السوري بشكل خاص , مع مراعاة الإلتزام في ذات الوقت بمداء التهدئة وضبط النفس وعدم الإنجرار في صراعات دوليه مع دول كبرى وخاصة مع الولايات المتحدة , وبما يكفل لها تحقيق مصالحها السياسية و الإقتصادية في ضل إستقرار داخلي وخارجي قد تواجهه .
وفي ذات السياق تعتبر روسيا ان علاقاتها مع الولايات المتحدة من أهم الأولويات السياسية الخارجية لها , وبأنها تعد عاملا مهمآ في اشاعة الاستقرار الدولي. وهذا ما أكدت علية و أثبتته مبادئ الحوار والشراكة الثنائية بين البلدين من خلال اعلان موسكو حول العلاقات الاستراتيجية الجديدة الذي وقعه رئيسا البلدين في مايو/أيار عام 2002. والذي حددت فيه الاتجاهات الاولية للتعاون الثنائي والمتمثلة في العمل المشترك لصالح الامن الدولي والاستقرار الاستراتيجي ومكافحة الإرهاب الدولي ومواجهة الأخطار والتحديات الاخرى الشاملة الجديدة ودعم حل النزاعات الاقليمية وتطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية وتوسيع الاتصالات بين الافراد.
كما أكدت على هذا الإعلان مجموعة اللقاءات التي حدثت بين البلدين و التي كان من اهمها لقاء سان بطرسبورغ في الفتره 14 – 15 يوليو/تموز عام 2006 عشية قمة مجموعة “الثماني” وكذا مباحثات كينيبانكبورت(ولاية مين) و التي جرت في الفترة1 – 2 يوليو/تموز عام 2007 م , بالإضافة و اللاتي أكدن جميعهن الى ضرورة التعاون في مجال الاستخدام السلمي للطاقة الذرية ومقاومة الانتشار النووي وكذلك الإعلان المشترك حول المبادرة الشاملة في مكافحة الإرهاب النووي, وعدم الانتشار للأسلحة النووية , الذي يتضمن برنامج الخطوات الملوسة في مجال تعميق التعاون الثنائي والدولي في مجال الاستخدام السلمي للطاقة الذرية بشرط الالتزام الصارم بنظام عدم الانتشار.
ويعد بيان ختام قمة سوتشي المنعقد في 6 أبريل/نيسان عام 2008 الاطار العام لاستراتيجية العلاقات الروسية الأمريكية , والذي عكس الطابع الشامل للتعاون بين روسيا والولايات المتحدة في الاتجاهات الرئيسية , و الذي هدف الى ضمان التواصل المستقر في المستقبل.
كما انها تعد ” أي هذه الوثيقة ” الصورة الموجزة لما تم تحقيقه في الأعوام الأخيرة في مجال الامن ومكافحة الإرهاب ومن ضمنه الإرهاب النووي وكذا تطوير الذرة في الأغراض السلمية والمضي قدما في الشراكة بمجال الاقتصاد والتجارة وصناعة الطاقة.

كما أن هذا الإعلان قد عكس الخلافات الجدية بين الجانبين حول بعض القضايا مثل الدفاع المضاد للصواريخ ومعاهدة تقييد القوات المسلحة في أوروبا وتوسيع الناتو وسحب الوسائل الضاربة من الفضاء والتي يجب أن يتواصل العمل في معالجتها.

أما من الناحية الإقتصادية وهو الأهم حسب ما أعتقده , وهوإن تلك المبادئ و الإتفاقات الناجمة عن تلك اللقاءات بين البلدين لم تغفل مبادئ التعاون الرئيسية المشتركة بين البلدين و التي أبرزها (وجود المصالح المشتركة الكثيرة و المختلفة ، والتصميم على العمل المشترك من اجل تعزيز الاستقرار الاستراتيجي والامن والمواجهة المشتركة للتحديات الشاملة وتسوية) و التي من أهمها التعاون في المجال الإقتصادي مثل التوقيع على اتفاقية العلاقات التجارية بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الموقعة في عام 1990 وبدأ تنفيذها حيال روسيا في عام 1992 الوثيقة الأساسية التي تتحكم بالعلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين.
بالإضافة الى المعاهدات الموقعة في 17 يونيو/حزيران عام 1992 حول تجنب الضريبة المزدوجة والحيلولة دون التهرب من الضرائب فيما يخص ضريبة الدخل والرأسمال, معاهدة التشجيع والحماية المتبادلة لرؤوس الأموال في عام 1992 لكنها لم تبرم كونها كانت تتجافى مع مواقف روسيا المعلنة في عملية المفاوضات الخاصة بانضمامها إلى منظمة التجارة العالمية. إلا أنها اختتمت هذه المفاوضات بشأن هذه المعاهدة بعد مرور 15 عاما.
كما اننا لا ننسى التوقيع على بروتوكول اختتام المباحثات الثنائية مع الولايات المتحدة حول شروط انضمام روسيا إلى منظمة التجارية العالمية والموقعه في 19 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2006 بالإضافة الى التوقيع على ست اتفاقيات بين الحكومتين هي: الاتفاقية حول التكنولوجيا الحيوية الزراعية واتفاقية تجارة لحوم البقر والاتفاقية حول تفتيش المؤسسات واتفاقية تجارة لحوم الخنازير واتفاقية حماية حقوق الملكية الذهنية والاتفاقية حول تدابير منح رخص استيراد السلع الحاوية على وسائل الشيفرة .