من وحي زيارة جبهة ميدي

عبدالسلام-المحطوري

بقلم / عبد السلام المحطوري

في هذا العيد، قمت بأفضل وأسعد ما قمت به في كل الأعياد في حياتي، وهو أني قضيت العيد مع رجال الله في مواقع العزة والكرامة في جبهة وصحراء ميدي، حيث تمت الزيارة بفضل من الله وتوفيقه مع الوفد الزائر والمكون من علماء وسياسيين وإعلاميين واقتصاديين ومثقفين، ووصلنا حتى خطوط الجبهة الأمامية، وعشنا مع المجاهدين أفضل أوقات الله، ورأينا ما هم عليه من العزة، والكرامة، والشجاعة، والصمود، والجهوزية العالية، وكيف ينظر المجاهدون للعدو، وكيف يصفون إمكانات عدوهم وقدراته المادية، وفي ذات الوقت ما هو عليه العدو من الضعف والانكسار، ولا يسع المرء حين يجلس مع المجاهدين ويسمعهم، وينظر في أحوالهم، إلا أن يردد قول الله تعالى وهو أصدق القائلين (العزة لله ولرسوله وللمؤمنين) فقوتنا المادية، لا تساوي ولا تعادل شيئا مما لديهم، لكن لدى هؤلاء المجاهدين ما هو أقوى من قوة العدو المادية، وهو الإيمان، والذي يعتمل في صدور المجاهدين، الذين هم في أغلبهم صغار في السن حسب تأملاتي فيهم، صغار في أجسادهم، لكنهم عظماء في إيمانهم، وفي بأسهم، وشجاعتهم، وفي ثقتهم المطلقة بالله، وفي يقينهم بصدق تحقق وعد الله بالنصر لأوليائه.

حيث هم في صحراء ميدي بأجسادهم النحيلة يواجهون أعتى وأحدث ما صنع الإنسان من آلات للقتل والدمار، من البر والبحر والجو، ورغم كل ذلك لم يتمكن العدو من التقدم وإحراز أي نصر سوى ما يحدثه من دمار للمساكن والمساجد والمدارس والطرقات، ورغم ما لدى العدو من إمكانيات، إلا أنه يفر من أمام هؤلاء الفتية الذين آمنوا بالله، وبعدالة قضيتهم، ومشروعهم، وبتسليمهم لقيادتهم.

أذهلني الرد عندما سألتهم مشاكساً، عن توقعاتهم، وعن دورهم لمرحلة ما بعد توقف الحرب، فأجابني أحدهم; بأن باب الجهاد مفتوح حتى تحرير مقدساتنا من اليهود الغاصبين مروراً بتحرير الحرمين الشريفين من دنس آل سعود.

إنما صنعته المسيرة القرآنية المباركة بهؤلاء البشر من اليمنيين، الذين عاشوا وآباءهم على هامش الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، بعيدين عن اهتمام من حكم اليمن خلال عقود ، هو العجب بذاته، وكيف غيرت هذه المسيرة المباركة ثقافتهم وأحوالهم ومواقفهم وعقائدهم وأهدافهم واهتماماتهم ، وكيف جعلت من أصغرهم سنا وأقلهم شأنا بالمقاييس المادية والاجتماعية والدنيوية محط إعجابنا وتقديرنا، وكيف أنا تركنا العيد مع أولادنا وأهلينا وتسابقنا كسياسيين وإعلاميين واقتصاديين ومثقفين وعلماء لنقطع مئات الكيلو مترات حتى نكون إلى جوارهم أيام العيد، ولنسعد نحن بتلك الصحبة كما سعدوا بها، وجدنا حفاوتهم وخدمتهم وضيافتهم واهتمامهم وحرصهم على سلامتنا منذ بداية دخول مناطق المواجهات التي تمشطها مدفعية وصواريخ العدو على مدار الساعة رغم الهدنة المزعومة، ولا تغادر سماءها طائراته الحربية والاستطلاعية والتي تقصف كل شيء متحرك رغم أن دخلنا ميدي في وضح النهار، وبموكب مكون من ثلاث سيارات غير مموهة باستثناء واحدة، لكن المجاهدين يعرفون عدوهم جيدا فهم يخبرونك متى تتحرك، ومتى تتوقف، ومتى وأين يجب أن تكون في اللحظة المناسبة، تلك لمحة من تجربة شخصية من بعض حكايات وأساطير رجال الله في ميدي والتي ستدرس يوماً ما في الأكاديميات والعلوم العسكرية .. فقد كنت أنا ذلك المحظوظ الذي تشرف بزيارة أولئك العظماء، في أرض الرباط، ودمتم.