تريليونات السعوديّة لواشنطن والدم من رأس القبيلي
بقلم ـ عبدالله عبدالعزيز الحمران
اللافت أن الخطابَ السعوديَّ لا يتغير: محاولة إقناع الداخل بأن “الخطر” في صنعاء، بينما الحقيقة تتلخص في سؤال واحد يطرحُه كُـلُّ يمني اليوم، وربما كُـلّ عربي أيضًا: لماذا تُحترم واشنطن بتريليونات، بينما تُستهلَكُ دماء اليمنيين مجانًا لخدمة المشروع الأمريكي نفسه؟
السعوديّة التي تتعامل مع الولايات المتحدة بمنطق الخضوع الكامل -تراجع التريليون تلو الآخر لتفادي غضب إدارات البيت الأبيض- لم تفكر يومًا في أن تتفادى سخط اليمنيين بربع هذا المبلغ، أَو حتى بجزء ضئيل منه.
بل على العكس: في الوقت الذي تُغدق فيه الرياض الأموال على واشنطن، تواصل الاستثمار في الحرب، والرهان على دماء اليمنيين، وشراء أسلحة جُربت أولًا على أجساد المدنيين في صعدة والحديدة وصنعاء.
المفارقة الأكثر مرارة أن اليمن، جار مسلم، تجمعه مع المملكة اللُّغة والدين والجغرافيا والتاريخ، بينما الأمريكي لا يجمعُه معها لا دين ولا لُغة ولا أرض ولا ثقافة.
ومع ذلك، يُعامل الأمريكي كسيد يجب تكريمه بالمال، بينما يُعامل اليمني كمساحة اختبار لسياسة الردع والقصف والعدوان.
الرياض تعرف يقينًا أن اليمن لا يهدّدها، وأن صنعاء ليست الطرف الذي يطلب الحرب.
وتعرف أَيْـضًا أن واشنطن ليست “حليفًا” بل جهة تبتز المال السعوديّ كلما أرادت، ثم تترك الرياض في مواجهة نتائج خياراتها الخاطئة.
ومع ذلك، لا يزال الإعلام السعوديّ يهرب من هذه الحقيقة، ويعيد تدوير رواية واهية عن “الخطر اليمني” كلما احتاجت السلطة السعوديّة إلى غطاء شعبي وصفقات جديدة.
إن إعادة فتح ملف اليمن في الإعلام السعوديّ ليست تحليلًا سياسيًّا بريئًا، بل محاولة لتوجيه البُوصلة بعيدًا عن سؤال مركزي يحاولون طمسه:
لماذا تُدفع التريليونات للأمريكيين بينما يُدفع اليمنيون إلى المقابر؟
وفي النهاية نقول للرياض بوضوح: إذَا كنتم تخشون غضبَ واشنطن فتدفعون المال، فلتخشوا غضب اليمنيين الذين دفعوا الدم.
وإن كنتم تملكون الجُرأةَ على استثمار ثروات الأُمَّــة في الخارج؛ فامتلكوا ولو لمرة واحدة شجاعة إعادة النظر في حرب لم تجلب لكم إلا الهزائم والخسائر الاستراتيجية.
اليمن ليس عدوكم، واليمني ليس القربان الذي ينبغي تقديمَه في كُـلّ صفقة سياسية أَو مالية.
اليمن جار، وشريك، وعمق حضاري وجغرافي.
أما واشنطن، فهي دولة بعيدة لا تقدم لكم سوى فواتير متزايدة..
ومزيد من الأوهام.