من ادّعاء نصرة فلسطين إلى خدمة العدو.. وثائقي يفضح خيانة علي عفاش وارتهانه للأمريكي والسعودي
تقرير – أحمد قحيم
في لحظة فارقة من الصراع مع المشروع الصهيوني–الأمريكي، تكشف قناة المسيرة عبر فيلم وثائقي استقصائي نوعي، حجم التواطؤ والخيانة التي مارسها نظام الخائن علي عبدالله صالح (عفاش) بحق القضية الفلسطينية، وتورطه المباشر في خدمة الأجندة الأمريكية والسعودية على حساب دماء أبناء غزة وصمود مقاومتها.
الوثائقي، الذي عُرض مساء الاثنين 15 ديسمبر 2025م، لا يكتفي بإعادة قراءة الماضي، بل يفتح أرشيفًا أسود من التسجيلات الصوتية والوثائق الرسمية، ليزيح الستار عن حقيقة نظامٍ لطالما تاجر بشعارات العروبة وفلسطين، بينما كان عمليًا يعمل على كسر عزلة كيان العدو الصهيوني، وتنفيذ الإملاءات الخارجية دون تردد.
ما قبل ثورة 21 سبتمبر: النظام الوظيفي في خدمة التطبيع
للمرة الأولى، تعرض المسيرة تسجيلات صوتية ومراسلات رسمية تعود إلى ما قبل ثورة 21 سبتمبر 2014م، توثق تحوّل نظام عفاش إلى أداة طيّعة بيد الأمريكي والسعودي، وتكشف القناع عن “الرئيس” الذي صنع لنفسه صورة زائفة كمدافع عن فلسطين، بينما كان في الواقع ينسّق سياساته بما يخدم العدو الإسرائيلي.
التحقيق يعيد تفكيك مرحلة حساسة من الأعوام 2005 – 2009، وهي الفترة التي شهدت واحدة من أبشع جرائم العدوان الصهيوني على قطاع غزة، خصوصًا عدوان 2008، الذي جاء في سياق محاولة كسر إرادة المقاومة ووقف إطلاق الصواريخ الفلسطينية. في تلك المرحلة، بدا الموقف العربي في أضعف حالاته، لكن المفاجأة أن الخيانة لم تكن فقط بالصمت، بل بالفعل والتواطؤ.
مكالمة العار.. كيف خذل عفاش المقاومة الفلسطينية؟
يكشف الفيلم تسجيلًا صادمًا لاتصال هاتفي جرى بين الخائن علي عفاش ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس آنذاك، الشهيد القائد خالد مشعل، قبيل انعقاد قمة الدوحة العربية في يناير 2009.
مشعل، الذي تواصل مع صنعاء على خلفية دعوة عفاش لعقد القمة، عرض مطالب المقاومة بوقف العدوان الصهيوني ورفع الحصار عن غزة، معتقدًا – كما كان يُروَّج إعلاميًا – أن عفاش قد يتخذ موقفًا مشرّفًا.
غير أن الحقيقة كانت مغايرة تمامًا.
ففي المكالمة، أظهر عفاش وجهه الحقيقي، مهاجمًا صواريخ المقاومة، وواصفًا إياها بأنها “مضرّة بالشعب الفلسطيني”، ومقللًا من تأثيرها على العدو الصهيوني، بل وذهب إلى حد اتهام حماس بإطلاق الصواريخ لتبرير قصف غزة.
لم يكتفِ بذلك، بل طالب المقاومة بوقف إطلاق الصواريخ والتخلي عن سلاحها، في موقف يتطابق حرفيًا مع الموقف الأمريكي والصهيوني، ويكشف حجم الانبطاح والتبعية.
محاولات مشعل شرح منطق المقاومة والدفاع عن حق الشعب الفلسطيني في الرد، قوبلت بتوتر وعتاب واستفزاز، لتنتهي المكالمة بصدمة كبرى للمقاومة، التي تجرّعت حينها مرارة خذلانٍ عربي رسمي فجّ، جاء هذه المرة من صنعاء.
التماهي مع واشنطن.. نزع سلاح المقاومة كشرط أمريكي
يبيّن الوثائقي أن موقف عفاش لم يكن اجتهادًا شخصيًا، بل انعكاسًا مباشرًا للضغوط والمواقف الأمريكية المعلنة آنذاك، والتي كانت تشترط نزع سلاح المقاومة الفلسطينية لوقف العدوان ورفع الحصار.
وهو موقف لم يخدم سوى العدو الإسرائيلي، وشجّعه على الاستمرار في المجازر بحق المدنيين، ضمن سياسة ابتزاز وتجويع وحصار ممنهجة.
هكذا، يظهر عفاش كشريك غير مباشر في العدوان، لا كمجرد متفرج، بل كطرف مارس الضغط السياسي على المقاومة بدل الضغط على العدو.
الصدمة الثانية.. الغياب المتعمّد عن قمة الدوحة
إذا كانت مكالمة العار شكّلت الصدمة الأولى لحركة حماس، فإن الصدمة الثانية تمثلت في عدم حضور الخائن عفاش لقمة الدوحة، رغم أنه كان من أوائل المطالبين بانعقادها.
الوثائقي يفنّد كل المبررات التي ساقها عفاش آنذاك، ويؤكد أن غيابه لم يكن سوى نتيجة ضغوط سعودية مباشرة، مقرونة بـإغراءات مالية، إلى جانب التعليمات الأمريكية.
ويعرض الفيلم تسجيلًا لمكالمة هاتفية بين عفاش ومستشاره عبدالكريم الإرياني، جرت بعد عودة صالح من زيارة قصيرة إلى الرياض، يعترف فيها صراحة بحصوله على 300 مليون ريال سعودي مقابل عدم حضور القمة، وينقل حديث الملك السعودي الذي وصف المؤتمر بأنه “إيراني وليس عربيًا”.
مال مقابل موقف.. كيف صادرت الرياض قرار صنعاء؟
تكشف المكالمة مدى الانحدار السياسي والأخلاقي الذي وصل إليه عفاش، وتحوله إلى مجرد منفذ للأوامر السعودية، غير قادر على الاعتراض أو الرفض.
كما تُظهر حجم التدخل السعودي السافر في القرار اليمني، وسيطرة الرياض على الموقف الرسمي في صنعاء، في مقابل انبطاح كامل من نظام صالح.
الوثائقي يسلّط الضوء أيضًا على نبرة التعالي والاستهزاء التي تحدث بها الملك السعودي عن قادة الخليج، ما يعكس طبيعة العلاقة القائمة على الابتزاز والهيمنة، لا على الندية أو الاحترام.
وثائق رسمية.. واشنطن تُدير صنعاء بالأوامر
لا تتوقف فضائح الخيانة عند التسجيلات، بل يقدّم الفيلم وثائق رسمية دامغة، تؤكد وصاية واشنطن المباشرة على القرار اليمني في عهد عفاش.
من بينها وثيقة مرسلة من السفارة الأمريكية في صنعاء بتاريخ 4 نوفمبر 2007 إلى الخارجية اليمنية، تتضمن توجيهًا عاجلًا بعدم المشاركة في مؤتمر المقاطعة العربية، بل وعدم إرسال أي ممثل عن صنعاء، في سابقة فاضحة للتدخل الأمريكي.
كما يكشف الفيلم محضر لقاء جمع وزير الخارجية الأسبق أبو بكر القربي بالسفير الأمريكي توماس كرادجسكي في 1 يونيو 2005، طالب فيه السفير الأمريكي برفع نظام المقاطعة العربية ضد كيان العدو الإسرائيلي بحجة “عدم جدواه”.
خلاصة المشهد.. فلسطين كانت مجرد ورقة تلميع
تُجمع الوثائق والتسجيلات التي عرضها الوثائقي على حقيقة واحدة: أن الخائن علي عفاش لم يكن يومًا نصيرًا لفلسطين، بل استغل قضيتها كورقة سياسية لترميم صورته داخليًا وخارجيًا، بينما كان عمليًا ينفّذ الأجندة الأمريكية والسعودية، ويعمل على خدمة العدو الصهيوني.
لقد “قال ما لا يفعل”، وتحدّث بعكس ما يضمر، ليكشف وثائقي المسيرة، بعد سنوات، الوجه الحقيقي لنظامٍ وظيفي سقط مع سقوط وصايته، وجاءت ثورة 21 سبتمبر لتضع حدًا لمرحلة الارتهان، وتعيد لليمن موقعه الطبيعي في معركة الأمة، إلى جانب فلسطين والمقاومة، لا في خندق الخيانة والتطبيع.
موقع 21 سبتمبر.