أطماع الاستعمار الجديد: قراءة في الأهداف الجيوسياسية والاقتصادية للعدوان على اليمن

أطماع الاستعمار الجديد: قراءة في الأهداف الجيوسياسية والاقتصادية للعدوان على اليمن


لم يكن العدوان على اليمن مجرد رد فعل عسكري، بل هو تجسيد لحركة الاستعمار الجديد الذي يتخذ أشكالاً متطورة، ويسعى لفرض الاستباحة على أرض وشعب يمتلك موقعاً استراتيجياً وثروات هائلة، إن هذا الاستعمار لا يهدف إلى احتلال تقليدي، بل إلى السيطرة على القرار الوطني، ونهب الثروات، وتحويل اليمن إلى تابع ذليل. إن رفض هذه الاستباحة ومقاومة فرضها كـ”قدر لا مفر منه” هو جوهر الصمود اليمني، وهو ما يتطلب وعياً عميقاً بأهداف العدو وأدواته.

الأهداف الجيوسياسية والاقتصادية للاستعمار الجديد
اليمن، بموقعه الجغرافي الفريد الذي يتحكم في مضيق باب المندب والبحر الأحمر، كان ولا يزال مطمعاً للقوى الاستعمارية 2. العدوان الحالي هو محاولة لترجمة هذه الأطماع إلى واقع، عبر استهداف ركيزتين أساسيتين:

1- الأهداف الجيوسياسية (السيطرة على الموقع)

التحكم في الممرات المائية من خلال السيطرة على باب المندب والبحر الأحمر لضمان أمن الملاحة الدولية، خاصة تلك المرتبطة بالكيان الصهيوني، ومنع أي قوة سيادية يمنية من التأثير على هذه الممرات.

كذلك تأمين المصالح الأمريكية حيث أن اليمن جزء من استراتيجية الهيمنة الأمريكية في المنطقة، والعدوان يهدف إلى إقامة قواعد عسكرية ثابتة وتأمين مصالحها في بحر العرب.

أضف إلى ذلك خدمة ما يسمى “صفقة القرن” حيث جاءت التحركات الصهيونية في غزة وعدوانها تزامن مع بروز مشاريع إقليمية ودولية تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، مما يؤكد أن إضعاف محور المقاومة بما فيه اليمن جزء من مخطط أوسع لخدمة الأجندة الصهيونية.

2. الأهداف الاقتصادية (نهب الثروات)

الأطماع في الثروات النفطية والغازية في المحافظات الشرقية والجنوبية، ومحاولة التحكم في عائداتها لتمويل أدوات العدو الداخلية ونهب الجزء الأكبر التي تعود عليها الأعداء لعقود من الزمن وجعلت السعودية من نفسها الوصي على البلد حتى وصل بها الحال أن يتم توريد قيمة الصادرات النفطية إلى البنك الأهلي السعودي والتي تصل قرابة 15 مليار دولار في ظل معاناة أبناء البلد وتوقف مرتباتهم وتردي الأوضاع المعيشية .

أضف إلى أحد أهداف العدو في حربه الاقتصادية هو التحكم والسيطرة على الموانئ الحيوية، مثل ميناء عدن والموانئ النفطية، وتحويلها إلى نقاط نفوذ تخدم مصالح دول العدوان على حساب الاقتصاد الوطني اليمني.

الاستباحة ورفضها: مجالات وأدوات وعواقب التفريط
إن الاستباحة هي الحالة التي يصبح فيها الوطن ومقدراته ودماؤه مستباحة للعدو، وتُفرض كـ”قدر لا مفر منه” على الشعب، إن رفض هذه الاستباحة هو جوهر الصمود اليمني، وهو ما يتطلب وعياً عميقاً بمجالاتها وأدواتها الداخلية.

مجالات الاستباحة وأدواتها التنفيذية من الداخل
تتعدد مجالات الاستباحة التي يسعى العدو لفرضها، وتتكامل أدواته التنفيذية من الداخل لتحقيق هذا الهدف الخبيث من خلال استباحة الأرض والسيادة المتمثلة  في السماح بوجود القواعد العسكرية الأجنبية، وتواجد القوات الغازية على الأرض اليمنية، والعمل على تجزئة الأرض عبر الصراعات المناطقية التي تخدم مخططات العدو في تقسيم البلاد والسيطرة على مفاصلها الحيوية.
إضافة إلى ذلك استباحة الثروات عبر العملاء والمرتزقة الذين يشاركون في نهب النفط والغاز، وتدمير العملة الوطنية، والتعامل مع العدو لقطع الإيرادات عن الشعب، محولين الاقتصاد إلى أداة ضغط على المواطن.
واستباحة القرار المتمثل في وجود الحكومات العميلة في المناطق المحتلة التي تتخذ قراراتها وفقاً لإملاءات دول العدوان، وتبيع المصالح الوطنية مقابل البقاء في السلطة، هذه الحكومات لا تمثل إرادة الشعب، بل هي مجرد أدوات لتنفيذ الأجندة الخارجية .

ركائز تمكين العدو وعواقب التفريط
إن العدو لا يستطيع أن يستبيح وطناً إلا إذا وجد ركائز تمكنه من ذلك، وأخطر هذه الركائز هو التفريط والابتعاد عن هدى الله.

إن التنازع والخلاف الداخلي هو ركيزة أساسية لتمكين العدو، فالله سبحانه وتعالى حذرنا بقوله: “ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم” كما أن التنازع يفتح الباب للعدو للتدخل والسيطرة، ويؤدي إلى الوهن والضعف في الجبهة الداخلية.

أضف إلى ذلك الابتعاد عن الهدى القرآني يجعل الأمة فريسة سهلة لخطاب العدو المضلل، إن فقدان البصيرة الناتج عن التبعية الفكرية يمنعنا من التمييز بين الصديق والعدو، ويجعلنا نتقبل أكاذيبهم وخططهم التدميرية، كما إن قبول الاستباحة كقدر يؤدي إلى فقدان الكرامة والسيادة، والعيش تحت رحمة المحتل وأدواته، الرضوخ هو ذل وهوان، وهو ثمن التفريط في الحقوق والمبادئ.
والتفريط في الحقوق والمقدسات خوفاً من العدو، يؤدي إلى سقوط الحق وضياع القضية، إن خلود الصمود وعواقب التفريط تذكرنا بأن الخذلان هو أسوأ ما يمكن أن يقدمه الإنسان لعدوه.
إن الجهاد في سبيل الله هو التعبير العملي عن رفض الاستباحة، وهو السبيل الوحيد لاستعادة السيادة والكرامة.

الجهاد هو الرد الإيماني
إن الرد على أطماع الاستعمار الجديد والاستباحة المفروضة ليس مجرد خيار سياسي، بل هو واجب إيماني ووطني، إن الجهاد في سبيل الله هو التعبير العملي عن رفض الاستباحة، وهو السبيل الوحيد لاستعادة السيادة والكرامة.
إن الشعب اليمني، بتمسكه بهويته الإيمانية ووعيه بأهداف العدو، قد أثبت أن الاستعمار الجديد، مهما تطورت أدواته، سيفشل أمام إرادة شعب يرفض أن يكون وطنه مستباحاً، الاستباحة ليست قدراً، بل هي نتيجة للتفريط، والجهاد هو مفتاح التحرير والانتصار.

المصدر: موقع يمني برس