فيتامين (د).. سرّ العظام القوية بين الشمس والمكملات: ما الجرعة المثالية لجسمك؟


فيتامين “د” لم يعد مجرد عنصر غذائي عابر، بل مفتاح رئيسي لبناء العظام والحفاظ على قوتها ومرونتها. هذا الفيتامين الفريد يساعد الجسم على امتصاص الكالسيوم بكفاءة، ويُعدّ خط الدفاع الأول ضد هشاشة العظام والكسور، غير أن التساؤل الأهم الذي يشغل الأطباء والباحثين هو: ما الجرعة المثلى التي توازن بين الفائدة والأمان؟

توصي الأكاديميات الطبية العالمية بأن يحصل البالغون حتى سن السبعين على نحو 600 وحدة دولية يومياً من فيتامين “د”، ترتفع إلى 800 وحدة بعد ذلك العمر، فيما يُحدّد الحد الأعلى الآمن بـ 4 آلاف وحدة يومياً لتجنّب التسمم الفيتاميني. أما من يتعرضون لأشعة الشمس لفترات وجيزة أو يعيشون في مناطق باردة أو قليلة الإشعاع، فينصح الأطباء لهم بزيادة الجرعة إلى 1000 وحدة يومياً.

لكن الدراسات الحديثة قلبت بعض المفاهيم القديمة رأساً على عقب؛ فبحسب تجربة VITAL الضخمة التي شملت أكثر من 25 ألف مشارك، لم يثبت أن تناول مكملات فيتامين “د” يمنع الكسور لدى الأصحاء الذين لا يعانون نقصاً حقيقياً فيه. وهذا ما دفع الهيئات الطبية إلى التأكيد على أن الفائدة الحقيقية تظهر فقط عند وجود نقص فعلي أو هشاشة مسبقة.

ويشير الخبراء إلى أن المستوى الكافي في الدم هو نحو 20 نانوغراماً لكل مليلتر، بينما تجاوز 60 نانوغراماً قد يسبب أضراراً مثل زيادة الكالسيوم في الدم ومشاكل بالكلى. ومن هنا تأتي أهمية الاعتدال وعدم الانجرار وراء فكرة “الجرعة الأعلى أفضل”.

العوامل التي تحدد حاجة الجسم إلى الفيتامين متعددة؛ فالوزن الزائد، والبشرة الداكنة، وأمراض الجهاز الهضمي المزمنة مثل داء كرون أو السيلياك، إضافة إلى جراحات السمنة، كلها تقلل امتصاص الفيتامين وتزيد من الحاجة لتعويضه عبر المكملات. كما أن قلة التعرض للشمس شتاءً ترفع خطر النقص حتى لدى الشباب الأصحاء، ما يجعل فحص مستويات فيتامين “د” أمراً ضرورياً للفئات المعرضة.

أما الغذاء وحده فلا يكفي لتلبية الاحتياج اليومي، فالمصادر الطبيعية مثل الأسماك الدهنية وصفار البيض ومنتجات الألبان المدعّمة توفر كميات محدودة فقط، بينما يبقى التعرض المعتدل لأشعة الشمس هو المصدر الأهم، شرط أن يكون في أوقات آمنة من اليوم.

ويجمع الأطباء على أن تناول فيتامين “د3” يومياً بجرعات منتظمة ومنخفضة هو الأسلوب الأكثر أماناً وفعالية، إذ يحافظ على استقرار مستوى الفيتامين في الدم، مقارنة بالجرعات الشهرية الكبيرة التي قد تسبب تقلبات وأعراضاً جانبية.

إنها معادلة دقيقة بين ضوء الشمس والمكملات، بين الحاجة والزيادة، وبين الوقاية والمخاطر. فصحتك العظمية لا تعتمد على رقم واحد، بل على توازنٍ ذكيّ يُراعي عمرك، ووزنك، ونمط حياتك، لتظل عظامك قوية وحياتك أكثر استقراراً.