القوات البحرية بعد ثورة 21 سبتمبر.. أسياد البحرين الأحمر والعربي بلا منازع


تقرير|محسن علي
في أهم شريط ساحلي في المنطقة يصل طوله إلى 2400 كيلومتر، يتصل بأهم مضيق بحري في العالم وهو”باب المندب” ورثت ثورة 21 سبتمبر قاعدة بحرية يمنية في الحديدة متهالكة, كانت تلعب دورها هامشيا في الساحل اليمني ’ بعد أن جرى تدميرها بمؤامرة أمريكية مباشرة واستهدافها مجددا مطلع 2015 في العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي على اليمن, أدى لتدميرها كليا, وفي ظل هذه الظروف المعقدة جاءت ثورة 21 سبتمبر تؤسس لبناء قوة بحرية من الصفر ضمن إطار أهم القوات الرئيسية في القوات المسلحة اليمنية, لتعود عقب سنوات من البناء والتطوير والتصنيع إلى الجهوزية، بتحول نوعي من موقع الدفاع إلى لاعب مؤثر على المستوى الإقليمي وتدخل خط المواجهة مع البحرية الأميركية والإسرائيلية والبريطانية , بعد عدة عمليات شهدها البحر الأحمر ضد سفن وبوارج سعودية إماراتية, رغم الفارق الكبير بين الطرفين, ليطلق اليوم على يمن ثورة الـ21 من سبتمبر بأنهم أسياد البحر الأحمر والعربي بلا منازع .

البحرية اليمنية وصناعة “رعب الإقتراب”
مثلت القوات البحرية اليمنية علامة فارقة في تشكيلات الجيش اليمني، وكانت العمليات التي نفذتها سواء على مسار الهجوم أو الدفاع في التصدي لقوات الغزو والعدوان والاحتلال الأمريكي السعودي الإماراتي دليل على جهوزية عالية واستعداد تام لتثبيت السيطرة على كل المياه اليمنية وخصوصا مياه البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن, وبناء قوة استطاعت أن تفرض تفوقا بحريا مكنها من بسط سيطرتها عبر تكتيكاتها الهجومية والدفاعية باستراتيجية عسكرية جديدة، هذه الاستراتيجية تسمى ” رعب الاقتراب”؛ وهي مستوحاة من ما تفعله الوحوش الكاسرة والضارية عندما تحمي عرينها وبيتها وكل ما هو لها؛ فالطامع من الإقتراب يتعرض لبطش وإنقضاض مرعب ومفاجئ يشتت شمله في البداية مما يجعله لقمة سائغة وفريسة سهلة؛ لتتناوله تلك الوحوش في النهاية بشراسة لا تفارق مخيلة من يفكر الإقتراب مرة ثانية, وشهدت القوات البحرية اليمنية والدفاع الساحلي تحولاً استراتيجياً جذرياً منذ ثورة 21 سبتمبر، حيث انتقلت من قوة هامشية إلى لاعب بحري مؤثر يفرض معادلات جديدة في أحد أهم الممرات الملاحية في العالم.

 

العمليات ضد تحالف العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي
بين عامي 2015 و2021، نفذت القوات البحرية والدفاع الساحلي ما يزيد عن 34 عملية نوعية استهدفت سفناً وفرقاطات وزوارق حربية تابعة للتحالف, ومن أبرز هذه العمليات:
استهداف السفينة “سويفت” الإماراتية (أكتوبر 2016) تم استهداف السفينة بصاروخ بحري، تلاه اشتباك مباشر من الزوارق السريعة، مما أدى إلى تدميرها بشكل كبير.
استهداف فرقاطة “المدينة” السعودية (يناير 2017) تم ضربها قبالة سواحل الحديدة أثناء قيامها بأعمال معادية.
استهداف ميناء جيزان السعودي: نفذت القوات البحرية عمليات نوعية في عمق المياه السعودية، أدت إلى تدمير زوارق حربية كانت راسية في الميناء.
هذه العمليات النوعية فرضت استراتيجية “رعب الاقتراب”، التي جعلت من البحر الأحمر منطقة محظورة على القطع المعادية، وأثبتت فعالية التكتيكات الهجومية والدفاعية للقوات اليمنية.

 

الديناميكية العسكرية الجديدة
التطورات العسكرية في اليمن أبرزت تحولًا في ميزان القوى في البحر الأحمر، مع إدخال تقنيات متطورة تهدد الأساطيل البحرية الأمريكية والبريطانية, وتعكس قدرة اليمنيين على التكيف مع الظروف الراهنة وتقديم استجابة فعالة لأي تهديد خارجي، ما يؤدي إلى تعقيد المشهد العسكري أمام استمرار غطرسة الاستكبار الأمريكي الإسرائيلي في المنطقة ما أجبر قيادات وخبراء صهاينة ومسؤولون أمريكيون على الإعتراف الاعتراف على لسان مسؤول عسكري أمريكي لقناة “سي إن إن” بأن “الحوثيين يواصلون مفاجأتهم” لتزداد المعركة في البحر الأحمر سخونة والتهابا.

 

ثورة التصنيع الحربي: صواريخ، زوارق، ألغام، وغواصات
شكل التصنيع الحربي المحلي فيما يخص القوات البحرية اليمنية الركيزة الأساسية في تطورها ، حيث تمكنت الخبرات اليمنية من تطوير وإنتاج ترسانة أسلحة متطورة, وذكية من غواصات مسيرة، وألغام بحرية وصواريخ فرط صوتية، كعناصر مفاجأة يمنية ظهرت بتقنيات هجومية عالية، فرضت وفقا لمحللين عسكريين أمريكيين معادلةً جديدة، ودروسا مهمة يتوجب على قوى الاستكبار استيعابها في مسار يعيد رسم موازين القوى لصالح محاور الإسناد للمقاومة الفلسطينية, حيث وأن دخول هذا النوع من السلاح التكتيكي في الخدمة بالجيش اليمني، يُعد إنجازًا عسكريًا يعكس قدرة القوات المسلحة اليمنية على تحقيق أهدافها، ويعزز من قدراتها على تصويب الضربات في العمق الصهيوني وإلى أي موقع أمريكي في المنطقة، فضلا عن تعزيز العمليات البحرية على مسار استمرار إجبار حاملات الطائرات الأمريكية والمدمرات البريطانية على الوقوف بعيدا عن المياه الإقليمية اليمنية في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي.

الصواريخ البحرية
شهدت منظومة الصواريخ تطوراً لافتاً، بدءاً من إنتاج صواريخ مندب 1 التي تعد هذه المنظومة من ابرز الإنجازات التي استطاعت الخبرات المحلية اليمنية من صناعتها، حيث تمتاز بدقتها العالية في إصابة الهدف ومزودة بتقنية لن تستطيع سفن العدو العسكرية من فك شفراتها.
وقد عبّر الرئيس الشهيد صالح علي الصماد حينها عن “سعادته بهذا الإنجاز الكبير والذي سيضيف نقلة نوعية في معادلة المعركة مع العدو وقوة رادعة ستغير موازين المواجهة”، مؤكداً إن “أموال الخليجیة التي بعثرت لشراء الولاءات والنيل من أحرار اليمن والعالم ستعود عليهم حديداً وناراً”.

وصولاً إلى إنتاج أجيال متعددة ومتقدمة ومن ضمن أبرز الصواريخ التي تم الكشف عنها:
صواريخ كروز “مندب 2” (بعيد المدى)، “سجيل” (مدى 180 كم)، و”صياد” (مدى 800 كم ولا تكشفه الرادارات), صواريخ باليستية أرض-بحر “فالق 1″، “عاصف” (مدى 400 كم)، و”محيط” وهو صاروخ كروز مجنح يصل مداه إلى 800 كم، يعمل بالوقود الصلب والسائل طوله ستة أمتار وثمانين سنتي، وزن الرأس الحربي 200 كيلو جم، يتميز هذا الصاروخ بدقته العالية، ولا تستطيع الرادارات اكتشافه, ويمكن إطلاق الصاروخ، من أي نقطة في الأراضي اليمنية إلى أي نقطة في البحر العربي والبحر الأحمر وخليج عدن، ويتميز بقدرته على ضرب الأهداف الثابتة والمتحركة، رأسه الحربي يتميز بقدرة تدميرية كبيرة.
وكذلك صواريخ “ميون”, و”البحر الأحمر” وهو صاروخ باليستي «أرض_بحر»، مطور من صاروخ سعير، متوسط المدى , يعمل بنظامين، حراري، وراداري، ويمتاز بسرعة عالية.
وقال متحدث القوات المسلحة، إن هذا الصاروخ سيعزز منظومتنا الدفاعية في السواحل وفي مياهنا الإقليمية وسيعمل على ردع المعتدين الذين يعتدون على بلادنا، وأضاف «لقد جاءت التسمية لتؤكد مستوى ارتباط اليمن بالبحر الأحمر، وأن اليمنيين هم الحراس التاريخيون لباب المندب وجنوب البحر الأحمر”.
بالإضافة إلى منظومات “روبيغ” الروسية المتطورة التي تم إدخالها للخدمة وتطويرها، وصاروخ “قدس” البحري المطور , واستعرضت القوات المسلحة عشرات الـصواريخ الاستراتيجية المتطورة ولمنظومات صاروخية مختلفة، تلبي جزءاً من المتطلبات الدفاعية في القوات البحرية وبناء ترسانتها الصاروخية.

الزوارق المسيرة
تُعد زوارق “طوفان” المسيرة بأجيالها المتعددة من أبرز الأسلحة التي أرعبت القوات المعادية حيث تتميز هذه الزوارق الهجومية غير المأهولة بتكنولوجيا متقدمة, بتحكم يدوي وتحكم عن بعد وقدرتها على حمل رؤوس حربية كبيرة (تصل إلى 1500 كجم)، وسرعتها العالية التي تبلغ 45 ميل بحري في الساعة، وقدرتها على التخفي والمناورة, في جميع الظروف البحرية, وقد اعترف قائد المجموعة الهجومية لحاملة الطائرات الأمريكية “آيزنهاور” بأن هذه الزوارق تمثل “أحد أكثر السيناريوهات المخيفة” ’ فيما تميز زوق “نذير” القتالي بسرعة تصل إلى 60 ميل بحري في الساعة, بمهام قتالية متعددة منها الإغارة على أهداف البحرية الثابتة والمتحركة

الغواصات المسيرة
يمثل إدخال سلاح الغواصات المسيرة «القارعة» نقلة نوعية في المواجهة البحرية حيث تتميز هذه الغواصات بقدرتها على الاختفاء عن الرادارات وتنفيذ مهام هجومية واستطلاعية تحت الماء، مما يجعل اعتراضها شبه مستحيل ويشكل تهديداً كبيراً للسفن والفرقاطات الحربية, وهو ما وصفها معهد البحرية الأمريكية بأنها “تهديد جديد يظهر من تحت الماء” كما يظهر استخدامها تحولًا في طبيعة الصراع بالبحر الأحمر، مع إمكانيات جديدة قد تؤثر على مجريات الأحداث في المنطقة، وهذه التطورات تجعل من الصعب على القوات الأجنبية تأمين جانبها من التهديدات الجديدة، مما يُعد بمثابة ردّ قوي على الضغوط العسكرية المفروضة.

تهديد يثير القلق لا يزال يتطور
“امتلاك القوات البحرية مركبات بحرية سطحية مسيرة محملة بالمتفجرات ويمكنها التحرك بسرعات عالية جداً، هو أحد أكثر السيناريوهات المخيفة”، يكشف حجم الذعر الأمريكي وهو ما وصف به قائد المجموعة الهجومية لحاملة الطائرات آيزنهاور، الأدميرال مارك ميجويز، في تقرير نشرته وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية، بقوله أن” الزوارق المسيرة اليمنية التي هاجمت الحاملة، مؤكدا أن السلاح اليمني “تهديد مثير للقلق، وقاتل للغاية لأنه لا يزال يتطور”، واصفا إياها بالتهديد غير المعروف.
مضيفا أن “الحوثيين لديهم طرق للسيطرة على هذه الزوارق تماماً مثلما يفعلون مع الطائرات بدون طيار”.
وكشف عن عنصر المفاجأة والصدمة، في إشارة إلى عدم وجود الكثير من الوقت للتعامل مع الزوارق المسيّرة، وإلى أنه “إذا لم يكن في الوقت والمكان المناسبين على الفور فقد يصبح الأحمر قبيحاً بسرعة”.

الألغام البحرية الصائدة:
وهي ألغام بحرية محلية الصنع مخصصة لاصطياد قطع العدوان البحرية بمختلفها، من طراز “كرار1” و “كرار2 ” و “كرار3” و “عاصف2” و “عاصف3” و “عاصف4” و “شواظ” و”ثاقب” و “أويس” و “مجاهد” و “النازعات” و”مرصاد”, حيث تتميز بقدرات تدميرية عالية , وكل لغم منها يحمل اسمه العديد من المعاني والدلالات.

نصرة غزة وفرض السيادة في البحر الأحمر
مع اندلاع معركة طوفان الأقصى 7 أكتوبر بقيادة كتائب القسام في مدينة غزة وبدء العدوان الإسرائيعلى غزة، أعلنت القوات المسلحة اليمنية انخراطها في المعركة عبر استهداف السفن الإسرائيلية أو المتجهة إلى موانئ فلسطين المحتلة. بدأت هذه المرحلة بعملية الاستيلاء على سفينة “جلاكسي ليدر” في نوفمبر 2023، وتصاعدت لتشمل استهداف سفن “تحالف الازدهار” الأمريكي البريطاني بعد عدوانهم  السافر على اليمن حيث أدت هذه العمليات إلى فرض حصار بحري ناجح على كيان العدو الصهيوني وأقرت مصادر دولية بتراجع حركة الملاحة المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر بشكل كلي، وتحويل العديد من شركات الشحن مسارها حول رأس الرجاء الصالح, تخوفا من الضربات اليمنية القاتلة, فيما تمكنت القوات الأمريكية بأساطيلها وبوارجها وحاملات طائراتها من اعتماد تكتيك جديد وصف من قبل قائد الثورة بـ “ الهروب والفرار” مولية الأدبار على مرآى ومسمع العالم وسط عجز غير مسبوق.

وفي الختام:
نجاح القوات البحرية اليمنية في التحول من قوة مدمرة إلى قوة رادعة ومؤثرة، معتمدة على التصنيع الحربي المحلي والتكتيكات المبتكرة, تعد أحد أهم منجزات ثورة 21 سبتمبر المجيدة , وبفضل هذه القدرات المتنامية والمتواصلة، لم تكتفِ بالدفاع عن السواحل اليمنية، بل فرضت نفسها كلاعب رئيسي في معادلات الصراع الإقليمي، وأثبتت فعاليتها في دعم القضايا المحورية كالقضية الفلسطينية ومساندة غزة، وغيرت بشكل جذري موازين القوى في البحر الأحمر والعربي وخليج عدن وباب المندب وصولا للبحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي.


موقع يمانيون