أسقطنا الصنم فصار تمثالًا خفيًا ينخر في جسد الدولة!


كتب/عبدالخالق دعبوش

في تجارب الشعوب مع الطغاة كانت النهايات واضحة وحاسمة، مثلًا مبارك أزيح عن الحكم في مصر وسُجن ثم اختفى عن المشهد، لا صوته ولا صوت أسرته عاد له تأثير يُذكر. كذلك زين العابدين بن علي فرّ من تونس ومات في منفى صامت ولم يخلف وراءه سوى الذاكرة، والقذافي انتهى في ليبيا بمشهد دموي ومعه انتهى نظامه بالكامل، لم يعد له بقايا نافذة في الدولة، ولم نر من بعده من يحكم باسمه أو يتحدث بإرثه.
لكن في اليمن، قُتل عفاش وبقيت روحه السياسية السوداء تطوف في مؤسسات الدولة، بل وتمدد إرثه ليتحول إلى منظومة متشعبة تحكم وتناور وتبتلع كل محاولة إصلاح أو تغيير. لم يمت نظام عفاش بموته، بل أعاد إنتاج نفسه من جديد بأوجه متعددة وبأقنعة جديدة، بعضها يحمل شعار الجمهورية وبعضها الديمقراطية وبعضها جلب المحتل والعودة إلى الحكم، وبعضها يتسلل في صمت، وأكثرها وقاحة يدّعي الوطنية وهو يذبحها ويتآمر على الوطن.
لقد بنى عفاش منظومة لا تعتمد على شخصه فقط، بل على شبكة مصالح عميقة، وعلى ثقافة فساد وتواطؤ وتجريف ممنهج للدولة، وبعد مقتله وجدت هذه الشبكة نفسها أكثر حرية في الحركة لأنها لم تعد مقيّدة باسم شخص واحد، بل صارت تشتغل في الظل، من داخل الدولة ومن خلف الستار. لم يتوارث العفافيش حكمه فحسب، بل ورثوا لعنة سياسية وإدارية لا تزال تعيق كل مشروع وطني صادق. من بين كل الطغاة الذين سقطوا كان عفاش الوحيد الذي وُلد نظامه من جديد بعد دفنه، وهذه هي المشكلة.
ولن يُقطع هذا الورم المتجذّر إلا بثلاث خطوات جريئة؛ أولها غربلة شاملة لكل مفاصل الدولة من بقايا الولاء العائلي العفاشي والوظيفي لنظام عفاش عبر لجان وطنية نزيهة تُعيد تعريف الكفاءة والولاء للوطن، وثانيها تفعيل المحاسبة الشفافة عبر أجهزة رقابة مستقلة تُلاحق ملفات الفساد دون استثناء أو محاباة، وثالثها، وهو الأهم، كسر الصمت والمجاملات وإعادة الاعتبار لكل صوت وطني صادق تم إقصاؤه لأنه واجه هذا النظام المتوحش.
فالحل ليس في الشعارات، بل في إعادة بناء الدولة من الداخل دون عفاش ودون أشباحه.