الإنجليز وآل سعود وأتباعهم من الحكام في قصيدة(مآتم وأعراس)للشاعر الكبير عبدالله البردّوني

الشاعر الكبير /عبدالله البردوني

قصيدة مآتم وأعراس للشاعر الكبير عبدالله البردوني رحمه الله يتكلم فيها عن الإنجليز وآل سعود ومرتزقتهم وتابعيهم من الحكام وثورات الشعب عليهم

 

 

كيف كنّا يا ذكريات الجرائم مأتما في الضياع يتلو مآتم

كيف كنّا قوافلا من أنين     تتعايا هنا كشهقات نادم

و قطيعا من البراءات يهوى من يديّ ذابح إلى شدق لاقم

و مضينا يسوقنا سيف جلّاد  و تجترّنا سكاكين ظالم

***

 

ضاع في خطونا الطريق فسرنا    ألما واجما على إثر واجم

و السكون المديد يبتلع الحلم  و يسري في وهمنا و هن جاثم

و الدجى حاقد يبيع الشياطين فنشري من التبور التمائم

و خطانا دم تجمّد في الأشواك     جمرا و في الصخور مياسم

ورياح الثلوج تشتمّ مسرانا   فتشوي وجوهنا بالشتائم

***

 

كيف كنّا نقتات جوعا و نعطي     أرذل المتخمين أشهى المطاعم ؟

و جراحاتنا على باب “مولانا ”    تقيم ” الذباب ” منها ولائم

و هو في القصر يحتسي الشعب خمرا   و دما و الكؤوس غضبى لوائم

و يرائي و في حناياه دنيا    من ضحايا و عالم من مآثم

فنفدّيه و هو يغمد فينا  صارما مدمنا و يستلّ صارم

و يشيد القصور من جثث الشعب  المسجّى و من رفات المحارم

و يغطّي بالتاج رأسا خلاباه  و أفكاره ذئاب حوائم

و تلال من الحراب و كهف  من ضوار و غابة من أراقم

***

 

كف كنّا ندعوه مولى مطاعا و هو ” للإنجليز ” أطوع خادم

هدّنا الضعف فادعى قوّة ” افلجنّ ” و بأس الردى و فتك الضياغم

فتحاماه ضعفنا و اتّخذناه     إلها من ” شعوذات ” المزاعم

عملق الدجل شخصه وهو قزم     تتظنّاه قاعدا و هو قائم

و صبيّ الشذوذ و هو عجوز نصفه ميّت … و باقيه .. نائم !

و أثيم أيّامه … للدنايا و لياليه للبغايا … الهوائم

و يداه يد تجرح شعبا   ويد تقطف الجراح ” دراهم ”

***

 

و يولّى على الوزارات و الحكم    رجالا كالعانسات النواقم

و لصوصا كأنّهم قوم ” يا جوج ”  صغار النهى كبار العمائم

و طوال الذقون شعثا ” كأهل الكهف ” بل كالكهوف صمّ أعاجم

يحكمون الجموع و العدل يبكي    و المآسي تدمي سقوف المحاكم

تارة يرقصون فوق الضحايا و أوانا بشرّعون المظالم

فيسمّون شرعه الغاب حزما  إن أصابوا فالذئب أحزم حازم

و يصلّون و المحاريب تستفتي     متى تصبح الأفاعي … حمائم ؟

و يعودون يلفظون الحكايا   مثلما تنثر النثيل البهائم

و يميلون يعبرون الرؤى خيرا     وشرّا من خاطر الغيب ناجم

كلّهم متحف الغباء …. و كلّ      يدّعي أنّه محيط المعاجم

فيلوكون من ” مريض ” التواريخ حروفا من فهرسات … التراجم

و ينيلون ” باقلا ” ثغر ” قسّ ”    و يعبرون ” مادرا ” جود ” حاتم ”

كيف هنّا فقادنا أغبياء  و لصوص متوّجون أكارم ؟

و صغار مؤنثون و غيد      غاليات الحلى رخاص المباسم

***

 

هكذا كان حاكمونا و كنّا     فنحرنا فينا خضوع السوائم

و انتظرنا الصباح حتّى أفقنا ليلة و هو ضجّة من طلاسم

أترى قامت القيامة أم هبّ    العفاريت يطحنون القماقم ؟

و أصخنا تفسّر الوهم بالأوهام     و الظنّ بالظنون الرواجم

ووراء الضجيج إيماء رعد   يزرع الشهب في يديه خواتم

و الدجى يعلك السكون و يعدو     مثلما تعلك الخيول الشكائم

و سألنا ماذا ؟ فأومت طيوف زاهرات البنان خضر المعاصم

و تحدّى صمت القبور دويّ  شفقيّ الصدى عنيد الغماغم

و العيان الكبير ميعاد رؤيا   أنكرت صدقه العيون الحوالم

و إذا فاجأ اليقين على الشك  حسبت اليقين تهويل واهم

***

 

و هنا حرّق الغيوم انفجار    و الصدى يعزف اللّهيب ملاحم

فتراخى ” قصر البشائر ” كالشيخ  و لاذت جدرانه بالدعائم

و احتمى بالقوى فضجّ عليه  لهب عارم يلبّيه عارم

و حريق يدمي قواه و يمضي و حريق جهنّميّ …. يهاجم

فارتمى في اللّظى الأفيال    حمر الرؤوس جرحى القوائم

و تعالى الدخان و النار فاللّيل      نهار صحو الأسارير غائم

و تنادى الشروق من كلّ أفق ثورة فانبثي الربى لا يا نائم

(فإذا مأتم أعراس نشاوى مزغردات نواعم)

***

 

أشرق الثائرون فالموت عرس     و أنين الحمى لحون بواسم

وارتعاش الخريف دفء ربيعـ     يّ؛ وصيف داني العناقيد دائم

و الجراح التي على كلّ شبر أثمرت فجأة و كانت براعم

***

 

من رأى الثائرين زحفا من الخصب     وزحفا من شامخات العزائم ؟

و صباحا ضافي الشروق مطلا    و صباحا في شاطيء اللّيل عائم

و شبابا توهجوا فانطفى ” نيرون ” وانهار أغبر الوجه فاحم

و استثاروا دفء الحياة فمات المـ  وت ؛ و انقضّ عرشه و هو راغم

و أطلّت وجوههم من وراء  اللّيل ؛ كالصحو من وراء الغمائم

و مشوا تزرع الدروب خطاهم     موسما طيّبا يجرّ مواسم

و شموسا هواتفا و انتصارا  حاسما يهتدي على إثر حاسم

و الضحى في الدروب يمرح كالأ  فراح ؛ في أعين الصبايا النواعم

***

 

فتهادت مواكب الشعب ألوانا كنسيان مائج الحسن فاغم

و توالت حشوده الكثر تشدو فالربى و السهول شاد و باغم

و نسينا في غمره البشر … عهدا  أسود القلب أحمر السيف قاتم

كلّما عب جيفه مدّ للأخرى   كؤوسا كحنجرات … الضراغم

كان حكّامه ذبابا عليها من صديد الجراح أخزى المعالم

و ذئابا بلها قطيعا قسّمونا و استجمعونا غنائم

***

 

فانقسمنا برغمنا و سألنا      أين أين القربى ؟ و أين المراحم ؟

أوما نحن إخوة أمّنا الخضراء ؟    فيم اختصامنا ؟ من تخاصم ؟

أنجيتنا هذي البلاد فأنهت    بدع الفنّ قبل بدء العوالم

و غذتنا تآخينا كان أبقى      من ربى ريفها ووهج العواصم

***

 

فمضوا يطعمونا الحقد حتّى  جهل المرء قصده و هو عالم

و تمادوا في الهدم حتّى كسرنا     معول الحقد في يدي كلّ هادم

و دفّنا حكم الشذوذ رفاتا     واحتشدنا نتوّج الشعب حاكم

و التقينا نمدّ للفجر أفقا من دم التوأمين ” عاد ” و ” هاشم ”

و مراحا من تضحيات ” البلاقيس ”     و مغدى من تضحيات ” الفواطم ”

فانطلق حيث شئت يا فجر إنّا قد فرشنا لك الدروب جماجم

وزحفنا نهدي الهدى و مددنا من قوانا إلى الأعالي سلالم

و سمونا صفّا مبادئه الحبّ   و غاياته سماء المكارم

***

 

و أضأنا حتّى انثنى سارق الإسلام عريان يحتمي بالهزائم

و اشرأبّت أرض النبيّ تدوّي من “سعود ” ؟ أطغى و أغشم غاشم !

و غبيّ سلم لكلّ عدوّ   و هو حرب على أخيه المسالم

من رآه يرجو ” حسينا ” و يهذي ؟ من يقينا هولا من النار داهم ؟

فيعود الجواب عنه سؤالا    هل لطاغ من غضبه الشعب عاصم ؟