اليمن وأمريكا وبيان مسقط: مآلات الصراع إلى أين؟

بقلم /علي شرف الـمَحَطْوري

بدخول الرئيس الـ45 دونالد ترامب البيت الأبيض في يناير 2017 تكون الولايات المتحدة تحتفل بمائة عام على “عصر أمريكي” فرض إيقاعه على العالم مع اشتعال الحرب العالمية الأولى في أوروبا، وقتها كان الرئيس الــ28 وودرو ويلسون يبشر بمبدأ “حق الشعوب في تقرير مصيرها”، مخادعا بذلك الشعوب الواقعة تحت الاستعمار التواقة للحرية والسيادة والاستقلال.

وفي تأريخ ذلك الرئيس أنه ظل يرقب تطورات الحرب العالمية الأولى وفي لحظة لا تبدو من الانتهازية وقطف ثمار النصر، تدخل ويلسون في السنة الأخيرة منها، ووضعت الحرب أوزارها وعلى الضفة الشرقية للأطلسي مليونا جندي أمريكي، فإذا أوروبا المستعمِرةُ أرضَ غيرها أصبحت مُستعمَرة لأمريكا.

وبعد مائة عام من الحروب الأمريكية العلنية والسرية، يدخل البيت الأبيض رئيس يرفع شعار “أمريكا أولا”، في دلالة على ميول نحو “الانعزالية” والانكفاء إلى الداخل.

ومن مفارقات القدر أن يكون اليمن والجزيرة العربية ضمن المناطق المنعكس عليها ذلك الشعار سلبا أو إيجابا.

سلبا.. في حال بقي كسابقيه “شعارا مخادعا”..وبقيت واشنطن تعاند القدر، وهو الأرجح، إنما لا ينفي أن أمريكا دخلت مرحلة الشيخوخة الحضارية، وأن دورة الزمن قد بدأت تفعل فعلها على امبراطورية أوشكت أن تلتهم كل الحضارات.

وإيجابا.. في حال صدقت أمريكا هذه المرة، وأخذت تسلم عن قناعة “بتوازن القوى”، فتعمد إلى الجلوس بندية وليس بفوقية مع القوى المناوئة لها عالميا وإقليميا.

وفيما يخص اليمن، فزيارة جون كيري وزير خارجية باراك أوباما المنتهية ولايته العاصمةَ العمانية مسقط الواقعة على زاوية الخليج، يوم الاثنين الماضي 14 نوفمبر 2016 والمخصصة “لملف اليمن” وما رشح عنها من مواقف- تمثل محطة بالغة الأهمية تحمل أكثر من دلالة وعلى مختلف الصعد، أختصرها في النقاط التالية:

في اليمن قوة وطنية صاعدة فرضت نفسها، والتهرب عن الاعتراف بها خيارٌ غيرُ محمود العواقب.

أن يُطلب من الوزير كيري الانتظار حتى الصباح لسماع “رد أنصار الله”، أمرٌ يعكس ثقة “الوفد اليمني المفاوض” بخياراته، وروحية الندية التي تجعله في موقع من يجد نفسه مشدودا إلى “عظمة صمود الـ600 يوم”، وعندها تتضاءل أي عظمة مزعومة “لأمريكا”.

أن يتناول الوزير كيري قوى التحالف طرفا في الاتفاق مع “أنصار الله”، فأمرٌ يطيح برواية تلك القوى بأنها ليست طرفا مباشرا في الحرب على اليمن، وإنما مساند “لحكومة هادي”، وهكذا “يُثبِّتُ “تصريح كيري” المسؤولية على تلك القوى، ويؤكد أن العدوان خارجي وليست “حربا أهلية”، وهذا بحد ذاته إنجاز سياسي كبير انتزعه “وفد أنصار الله”، لا بد وأن يُبنى عليها مستقبلا.

أمريكا بتدخل وزير خارجيتها جون كيري في الملف اليمني أضافت قرينة أخرى إلى أنها “صاحبة الكلمة الفصل”، وأن السعودية والإمارات ليستا إلا أداتين تنفيذيتين، وقد فشلتا في المهمة، وكما ألقي على عاتقهما تنفيذ العدوان فسيبقى عليهما تحمل العواقب.

عجز السعودية – ولو مرحليا- أمام الأمر الواقع اليمني الميداني، وتخوفها من نوايا انتقامية يحملها ترامب لجهة مواقفه الانتخابية بتدفيع الحلفاء “ثمن الحماية”- جعلها تذهب مرغمةً للقبول “باتفاق مسقط” بشأن اليمن.

دخول كيري على الخط في هذه اللحظة، محاولةٌ من إدارة أوباما ولو (صوريا) لإغلاق ملف افتتح في عهدها، حتى لا يبقى على ما هو عليه مع دخول “ترامب” إلى البيت الأبيض في الـ20 من يناير المقبل، وأي مستجدات لاحقة، فلكل حادث حديث.

-وأما “بيان مسقط” الموقع عليه أمس الأربعاء من قبل محمد عبدالسلام وعارف الزوكا، وفيه التزام بوقف إطلاق النار بدءا من اليوم الخميس 17 نوفمبر 2016 شريطة التزام الأطراف الأخرى، والقبول بخارطة “الأمم المتحدة المقدمة من قبل مبعوثها ولد الشيخ”، وتشكيل حكومة قبل نهاية العام الجاري..فدون تطبيقه عقباتٌ كثيرة، والفترة المزمّنة لتنفيذه لا تكفي لبناء منزل من طابق واحد، فكيف الأمر بصراع  هدم دولة وقتل شعبا، وحطم كل شيء، وهل صانعُ ذلك قادرٌ على  فعل نقيضه؟ وهل قرن الشيطان “لعشرين شهرا” يمكن أن يتحول إلى “حَمَل وديع” في ظرف شهر؟!

إنما هي خطوة دبلوماسية سياسية ترمي الكرة إلى ملعب تحالف العدوان والسعودية، ولا أخالها قادرة على استيعاب هزيمتها المدوية بعدم قدرتها على تنفيذ أهداف “عاصفة الحزم” بالقوة العسكرية، وقد نال هيبتها إقليميا وعالميا الكثير، وتصدعت قوتها لنحو غير مسبوق، وأصيب اقتصادها في مقتل، واتضحت حقيقة أمرها كدولة متورطة بجرائم حرب، وجرائم إبادة جماعية، وجرائم ضد الإنسانية، إضافة إلى تشكل رأي عام دولي بأنها منبع الإرهاب الوهابي التكفيري.

وفي مقابل ذلك ظهر اليمن بقواه الحية والفاعلة بلدا ناهضا تقوده قوة وطنية مهابة، صلبةً غير قابلة للتطويع أو التركيع أو الانكسار.

..ولعل القارئ يسأل وأين مصير هادي وبقية زعانفه الصغار؟ والجواب أنهم أخرجوا أنفسهم حين خرجوا من جلودهم وتنكروا لليمن، وزاد الأمريكي أن كافأهم بأن تجاوزهم كليا، حتى إنهم بعد أن علموا من وسائل الإعلام ضجوا ضجيج من أدرك أنه ورقة واحترقت، ومناديل انتهت صلاحية استخدامها.

فهل مفاوضات قريبة أو بعيدة يمكن أن تعيد أولئك إلى ما كانوا عليه..؟ أشك في ذلك!

بينما لا أشك مطلقا بأن اليمن حقق انتصارا إلهيا وتأريخيا في مواجهة امبراطورية أمريكية يوشك زمانها على الأفول!

وعنيتُ بالانتصار هذا الصمود الذي وضع اليمن على طريق الاستقلال والاستقرار، وهذا يتطلب استمرار اليقظة العالية في كل الجبهات.

وعلى الشعب اليمني أن يتحضر بكل قوة للانطلاق نحو مرحلة جديدة بإحياء ذكرى المولد النبوي القادمة،فوحدها المناسبة القادرة على تثبيت “صمود 20 شهرا” والاتجاه نحو استكمال مرحلة التحرر الوطني بوهجها اليماني وشعاعها الإسلامي.

شهادة لله ثم للتاريخ

كي لا نلبس الحق بالباطل