قراءةٌ في خطابِ السيّد القائد في الذكرى الأولى لاستشهاد السيّد نصر الله: حضورٌ يتجاوز الغياب ومعادلةُ ردعٍ وإرثُ جهادٍ باقٍ
عبدالقوي السباعي
استحضر السيّد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي -يحفظه الله- سيرة شهيد الإسلام والإنسانية السيّد حسن نصر الله باعتباره شهيدًا لكل شعوب الأمّة والعالم البشري الحر، مانحًا حضوره الراسخ بُعدًا يتجاوز الزمان والمكان.
وفي خطابٍ استثنائي، مساء اليوم السبت، حمل دلالات عميقة تتجاوز الذكرى إلى رسم معالم المرحلة في المنطقة، أعاد تثبيت نهج الجهاد والمقاومة كخيارٍ وجودي في مواجهة المشروع الصهيوني–الأمريكي الذي يستهدف الأمّة برمّتها.
السيّد القائد شدّد على أنّ السيّد حسن نصر الله ما زال “حاضرًا في وجدان الأحرار من كلّ العالم”، حاضرٌ بنهجه الراسخ ونتائج جهده وجهاده، مؤكّدًا أنّ القادة الحقيقيين لا يُقاس أثرهم بحياتهم؛ بل بما يتركونه من معادلات ردعٍ وموروث جهاد واستبسال، وأنّ استشهاد السيّد نصر الله عزّز بُنيان المشروع المقاوم بدل أن يُضعفه.
خطابٌ أعاد تذكير الأمّة بمحطّات مفصلية، معتبرًا تحرير جنوب لبنان عام ٢٠٠٠م، والانتصار المدوي في حرب تموز ٢٠٠٦م، هو من أسقط مشروع ما يسمّى بـ “الشرق الأوسط الجديد” الأمريكي، إذ لم يكتفِ السيّد القائد بسرد الوقائع؛ بل قرأها كمنهجيّةٍ سياسية تقول إنّ أيّ دعمٍ عربي حقيقي حينها، كان سيقلب موازين المنطقة بأكملها، وهُنا يُلمّح إلى تقصيرٍ عربي تاريخي، داعيًا إلى استدراكه اليوم، عبر توحيد الجبهات ودعم خيار الجهاد والمقاومة.
السيّد القائد أرسل إشارةً مزدوجة، عندما وصف السيّد نصر الله بأنّهُ “رعبٌ وكابوسٌ للصهاينة لأكثر من أربعة عقود”، وأنّ صرخته “(إسرائيل) أوهن من بيت العنكبوت”، تحوّلت إلى هاجسٍ أمني دائم؛ فالأولى إلى الداخل اللبناني والعربي بأنّ الردع ممكن، والثانية إلى الكيان الغاصب وأمريكا بأنّ معادلة خوفهم ما زالت قائمة رغم استشهاد القائد.
خطابٌ كرّر بوضوح أنَّ “خيار الجهاد والمقاومة حتمي وحكيم”، مبيّنًا أنَّ الاستسلام ليس خيارًا أمام مخطط صهيوني لا يوفّر الأمن حتى للمطبعين معه، وهُنا تتضح دعوة السيد القائد إلى كل شعوب المنطقة لتبنّي المقاومة بوصفها واجبًا دينيًا ووطنيًا، مع حثٍّ على امتلاك كل صنوف السلاح باعتباره، “عنصر الردع الوحيد” القادر على منع الاحتلال والاستباحة والتغول.
اللافت أنَّ السيد القائد لم يكتفِ بالسرد الكلامي؛ بل استند إلى إحصائيات عالمية دقيقة عن سباق التسلح وارتفاع الإنفاق العسكري لقوى الهيمنة والاستكبار العالمية؛ بما فيها الأمريكي والصهيوني، ليؤكّد أنَّ امتلاك القوة لم يعد ترفًا لشعوب أمتنا؛ بل ضرورة وجودية.
كما خصّص مساحة واسعة لانتقاد المجتمع الدولي والأمم المتحدة، التي “تكتفي بالشكاوى” أمام المجازر الصهيونية في غزة، واصفًا السماح للمجرم نتنياهو باعتلاء منبر المنظمة الدولية بأنَّه “عار” يشرعن الإبادة؛ ومن بين السطور، يوجّه القائد رسالة استنهاض للأمة، أنَّ “لا تعويل على المؤسسات الدولية”، والحماية لا تأتي إلا من الداخل المجاهد.
ويؤكّد أنَّ حزب الله ليس وحيدًا؛ بل هو جزء من “أمة مجاهدة ثابتة”، معدّدًا جبهات فلسطين واليمن وإيران وسوريا والعراق كجبهةٍ واحدة في مواجهة المشروع الأمريكي–الصهيوني؛ وفي هذا الربط، دعوة صريحة إلى تضامن محور الجهاد والمقاومة وعدم السماح بعزل أيّة ساحةٍ عن الأخرى، مع استمرار تحريضه على المقاطعة الاقتصادية والدبلوماسية للكيان الصهيوني كحدٍّ أدنى من الفعل العملي.
لم يُغِفل السيد القائد توجيه البوصلة نحو اليمن، مذكّرًا بأنَّ “شعبنا خرج بالملايين” وأنَّ مواجهة العدوّ الإسرائيلي مستمرة رغم الاستهداف المباشر والمتكرر؛ بما فيها قصف إصلاحية تابعة لجهاز الأمن والمخابرات، ليرسّخ معادلة أنَّ اليمن شريك فعلي في معركة الأمة، وأنَّ أيّ عدوان لن يثني الشعب عن موقفه الثابت في نصرة غزة وكل فلسطين وكافة جبهات المقاومة.
ووفقًا لمراقبين؛ فخلاصة ما بين السطور في خطاب السيد القائد؛ تُظهر أنَّه وما بين ذكرى وتأبين، وحشد واستنهاض وتحريض؛ تدفق كاستراتيجيةٍ سياسيةٍ محكمة ترسم ملامح مرحلة جديدة:
أولًا: الجهاد والمقاومة هي الضمانة الوحيدة لبقاء الأمة واستقرارها.
ثانيًا: امتلاك السلاح بمختلف أنواعه والمحافظة عليه، واجب لا يقبل المساومة.
ثالثًا: لا رهان على المجتمع الدولي أو قرارات الدول الكبرى؛ بل على وحدة الجبهات والتحامها بإرادة الشعوب.
رابعًا: دماء القادة الشهداء وقود لاستمرار المشروع الجهادي المقاوم لا نهايته.
وبهذا المعنى؛ فخطاب السيد القائد اليوم، كان إعلانًا صريحًا أنَّ استشهاد السيد حسن نصر الله ورفاقه ليس نهاية فصل؛ بل بداية مرحلة تصعيدية في مواجهة مشروع السيطرة الأمريكي–الصهيوني، ورسالة لكل شعوب المنطقة بأنَّ زمن التردد قد انتهى، وزمن الجهاد والوحدة قد آن أوانه.